فماذا نصنع؟ جاءنا من يقول لنا إنه يعرف طريقاً ينقلنا من سوريا إلى الحجاز من غير أن نمرّ على الأردن، وصدّقناه، ولم يخطر على بال واحد منّا (ولا أنا، الذي كان يحمل يومئذ ليسانس الحقوق) أن يُلقي نظرة على المصوَّر (?) ليرى أنْ ليس بين سوريا والحجاز حدود مشتركة وأنه لا بد من المرور بالأردن!

يقولون إن الهوى يُعمي ويُصِمّ. وكان هوانا في أن نرى الكعبة ونشرب من زمزم، ونقوم في الروضة ونزور رسول الله ‘، كأن هوانا هذا قد أعمانا فلم نرَ الحقيقة الماثلة أمامنا. إني لأذكر ذلك الآن فأضحك من نفسي، من جهلي وجهل من كان معي.

إن الرسول ‘ أمرَنا إذا كنّا ثلاثة أن نؤمّر علينا واحداً منّا، ونحن هنا ثلاثون لا ثلاثة، ولم نتخذ لنا أميراً، وكنّا كعادتنا دائماً: كنّا جميعاً أمراء! كرؤوس الثوم، هل نسيتم قصة رؤوس الثوم؟ فكانت رحلتنا -كما قلت- مثلاً مُفرَداً في باب التنظيم، أقصد عدم التنظيم، أي أنها المثَل الكامل للفوضى.

ما إن عرض عليّ الشيخ ياسين رحمه الله الأمر حتى وافقت، وافقت بلا تفكير. تصوّرت أني أتوجّه كل يوم خمس مرّات إلى الكعبة، وبيني وبينها الآماد البعاد والجبال والرمال والمسافات الطوال، فأحنّ إليها ويهفو قلبي -على البعد- إليها، فهل أستطيع، وقد عُرض عليّ الوصول إليها والطواف بها والتعلّق بأستارها، أن أقول: لا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015