شركات السيارات بالقيام بهذه الرحلة، شركات صغيرة فقيرة لا يملك أقواها وأغناها أكثر من عشرين أو ثلاثين سيارة. وأعدّوا لهذه الرحلة أربع سيارات من طراز بويك وواحدة ناش، وحملوا معهم مااستطاعوا من صفائح البنزين، وأخذوا معهم أحسن خبير (ميكانيكي)، وهو رجل يستطيع أن يفكّ السيارة قطعة قطعة ثم يعيدها.
كانت سياراتنا أول سيارات تطأ هذه الصحراء من يوم خلق ربي هذه الصحراء، اللهمّ إلاّ سيارة الشيخ عبد العزيز بن زيد الذي كان يومئذ (أي سنة 1353هـ) مفتّش الحدود، ثم صار سفير المملكة في دمشق وشرّفني بصداقته، وقبله السفير رشيد باشا. فقد قطع الشيخ عبد العزيز بالسيارة ما بين القُرَيّات ودمشق.
* * *
كانت تلك الرحلة مثلاً مُفرَداً في «باب التنظيم»، فيها نوادر لولا أنها واقعة وأنني كنت أحد أبطالها لما صدّقتها. كان طريقنا على إمارة شرقي الأردن (التي صارت الآن المملكة الأردنية الهاشمية) ولم يكن لها ممثّل في دمشق، فكان على من يريد دخولها أن يطلب الإذن من القنصل البريطاني. أنا العربي المسلم إن أردت دخول أرض الأمير عبد الله العربي الهاشمي المسلم، أستأذن من الإنكليزي غير العربي وغير المسلم! وطلبنا الإذن فأباه علينا، كأن الأرض أرضه وأرض أبيه وجَدّه هم الذين فتحوها بسيوفهم وهم الذين نشروا فيها النور الذي هبط من حراء عليهم، وكأن جبل حراء بجنب لندن لا بجوار مكّة!