العوامل في تكوين شخصيات الأدباء في خمس هي: الزمان والبيئة والثقافة والوراثة والحالة الجسدية. وتكلمت بالتفصيل عن كل منها، فبيّنت أنْ ليس المراد من الزمان أحداثه التاريخية ولكن الوصول -على قدر الإمكان- إلى معرفة الذوق الأدبي العامّ في ذلك الزمان. وأن المراد بالبيئة بلد الأديب وأثره فيه، وأسرته، والأسلوب الذي تربّى عليه، ومَن أهمّ أساتذته الذين أثّروا فيه ورفاقه الذين كان يرافقهم، ومثلت بذلك ببشار وأبينواس. وشرحت صعوبة الوصول إلى معرفة بيئات أكثر أدبائنا، وتكلمت عن الثقافة اللغوية والفكرية والاجتماعية وعن الوراثة، وعن التكوين الجسمي، وضربت المثل ببشار بن برد والمعرّي وأثر ذلك في غزلهما، إلخ.

وأنا أفكر الآن: كيف كتبت ذلك الفصل؟ لم أنقله نقلاً من كتاب، ولا يمكن أن أكون قد اخترعته اختراعاً؛ فهو -إذن- حصيلة دراستي للأدب. أمّا تاريخ الأدب العربي الذي قرأناه في المدرسة في «الوسيط» ثم في كتاب الزيات فليس فيه شيء من هذا، ولا في كتب الأدب التي كنت أعكف عليها وأدمن النظر فيها، فلم يبقَ من مصدر لي إلاّ ما قرأناه في تاريخ الأدب الفرنسي. ولقد قرأنا كثيراً: كنّا نرجع إلى كتاب لانسون، هذا المرجع الكبير كنّا نعرفه ونقرأ فيه، وكنّا قرأنا لإميل فاكيه ولأناتول فرانس، وقرأنا آثار النقّاد سانت بوف وتين وبرونتيير، قرأنا كثيراً في المنهج الرسمي (وهو كما قلت لكم المنهج الذي يتبعه طلاب المدارس الفرنسية في فرنسا بذاته) وفي غيره.

وأنا لا أحفظ ما أقرأ وأردّده بألفاظه، بل أُدخِله نفسي كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015