قلت: وما الوظيفة؟ قال: وظيفة قاض؛ نحن بحاجة إلى قضاة من حملة شهادة الحقوق.

ولم أعُد أفهم تمام الجملة، فقد فوجئت وأحسست -لما نشأنا عليه من التربية العثمانية- بالخجل، وشعرت -ممّا ضممت نفسي- أن بعضي يدخل في بعض. كنت أرى منصب القاضي كبيراً جداً لا أملأ كرسيه، كنت أبصره عالياً جداً لا أصل ولو وثبت إليه. وأخذت الكلمة على أنها كلمة مجاملة وتشجيع، مع أني علمت بعد تسع سنين (لمّا دخلت القضاء فعلاً) أنه كان يقول حقاً وأن ما عرضه عليّ كان ممكناً.

* * *

طُبع لي في تلك الأيام (1934) رسالة صغيرة في أقلّ من عشرين صفحة، كتبتها في جلسة واحدة عنوانها: «مقالة في التحليل الأدبي»، وهي موجودة في كتابي «فكر ومباحث». إذا لم تسخروا مني قلت لكم إني لا أزال معجَباً بها، بل إني لأعتزّ بها مع أن أكثر ما كتبته في تلك الأيام لا أرتضيه الآن.

تكلمت فيها عن مكان الحقيقة من الأدب، وعرّفت الأدب، وفرّقت بينه وبين النقد وتاريخ الأدب، وهذه كلها مقدمات للبحث. والبحث هو «تحليل شخصية الأديب» والعوامل التي كوّنتها، وقلت: هل إلى حصر هذه العوامل من سبيل؟ هل تستطيع أن تحصر العوامل التي كوّنَت شخصيتك؟ هل تعرف كل خُلُق من أخلاقك وطبع من طباعك من أين مصدره، وما هو منحدره إلى نفسك؟ ". وبعد كلام عن الشخصية حصرت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015