كان يُعجَب بمقالة «وداع العمامة» للشيخ (أي الشيخ سابقاً) علي عبدالرازق، وقد نزعها (إثر ما كان) لمّا ألّف كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، وقد أخطأ فيه وما أصاب، وأساء وما أحسن، وجار وما عدل، واستحقّ كل ما قيل عنه وما وقع عليه. وإن كنت أشهد له، ولأخيه الشيخ مصطفى الذي عرفته أستاذاً جليلاً ولم أقرأ عليه، وشيخاً للأزهر وقد راجعته مرّات في بعض شؤون الطلبة السوريين في الأزهر، فما رأيت منه (ومن أخيه أيضاً) إلاّ خلقاً كريماً، ونبل نفس، ونظافة لسان، وأخلاق عالِم.
ولعلّ إعجاب أستاذنا كرد علي بمقالتي ومقالة الشيخ علي عبد الرازق إعجاب من يتمنّى الشيء ولا يقدر عليه، فهو كاتب جادّ موضوعيّ، لا يمدّ رأسه ولا يُظهِر نفسه من بين سطور مقالاته، ونحن كنّا نسلك طريق «الرومانسيين» الذين يَشغلون الناس بأخبار ذواتهم ويُشرِكونهم معهم في مشاعرهم: في مسرّاتهم وأحزانهم، يسفرون عن وجوههم، وقد يُسرِفون فيكشفون للملأ عن عوراتهم كما فعل رائد الرومانسية (روسّو) في اعترافاته حين ذكر ما صنع الفاسق به! وما وصلنا إلى هذا الدرك من الإسراف في الإسفاف.
في تلك الأيام، وأنا في تلك الشدّة وكل أملي أن أُنقَل إلى قرية هي أقرب إلى دمشق، قابلت في الترام سامي بك العظم مدير (أي وكيل) وزارة العدل، وهو صديق أبي ومن إخوان خالي محبّ الدين ومن جماعة الشيخ طاهر الجزائري، وهو أكثر آل العظم تواضعاً وصفاء. فسألني عن حالي، فلما خبّرته بما ألقى من وزارة المعارف قال: دعهم وتعالَ إلينا، فإن لديّ وظيفة شاغرة.