إلاّ حضرته، ولقد كنت مواظباً على محاضرات المجمع العلمي (على عهد كرد علي) وكانت مدرسة لنا، وبقيت -مع ذلك- معلّماً في مدارس القرى، ذلك لأني بدأت أتسلّق الجبل من الحضيض، وممّن جاء بعدي من تلاميذي من بدأ من صُلب الجبل فسبقني صعوداً، وإن لم يسبقني دراسة ولا تحصيلاً ولم يكن أكثرَ مني آثاراً ولا أقوَم ثقافة ولا أبلَغَ لساناً ولا قلماً، بدأ من التدريس في الثانوية أو في الجامعة وأنا بدأت من المدرسة الأولية في القُرى، أي أنني كنت شيخ كتّاب. أليست المدرسة الأولية هي الكتّاب؟
ولمّا نلت شهادة الحقوق، وكنت يوماً في ساعة ضيق وفي شبه اليأس (والمؤمن لا ييأس من رحمة الله) فكتبت مقالة (هي في كتابي «من حديث النفس») عنوانها: «شهادة ليسانس للبيع»، قلت في آخرها: "إني أعرض شهادتي هذه ولقبي الكريم «ليسانسيه في الحقوق» للبيع برأس المال، أي بالرسوم والأقساط، أما فوسفور دماغي وأيام عمري فلا أريد لشيء منه ثمناً، وأجري على الله. فمن يشتري؟ المراجعة في جريدة «ألف باء» الغرّاء. شهادة على ورق أبيض بخطّ جميل، ولها إطار بديع، عليها توقيعات وأختام أصحاب الفخامة والدولة والمعالي: رئيس الجمهورية، والوزارة، والوزير، ورئيس الجامعة ... فرصة نادرة، لا تضيعوها".
* * *
وكان لهذه المقالة أصداء وقد عُلّقت عليها تعليقات كثيرة. ولست أدري لماذا كان أستاذنا محمد كرد علي يُعجَب بها (مع أني أنا أقرؤها الآن فلا أرتضيها ولا يسرّني أن تُنسَب إليّ) كما