في ثماني صفحات وكانت الصحف في أربع، ولا لأنها اتخذت مراسلين يبعثون إليها بالأخبار ووكلاء يتولّون توزيعها في الأقاليم والأقطار، بل لشيء أكبر من هذا، شيء انتقل إليها من أخلاق رئيس تحريرها.

ذلك هو «الصدق»، فلم تكُن تغشّ قرّاءها وتكذب عليهم ولا تُلبِس لهم الباطلَ ثوبَ الحقّ. والصدق يجرّ «الصراحة»، فكانت تسمّي لهم الأشياء بأسمائها، لا تقول عن الحمار إن كان ذا مال أو ذا سلطان إنه غزال بأذنين طويلتين، بل تقول إنه حمار. والصدق يدعو إلى «الإخلاص»، فلا تنشر إلاّ ما ينفع الناس، أو ترى أنه ينفعهم، ولا يُسخِط الله.

وكانت افتتاحيات الأيام قطعاً ثمينة من الأدب السامي. بلاغة مطبوعة وبيان أخّاذ، ما أظنّ أني قرأت في جريدة عربية ما يفوقها في هذا الباب. أسلوب صحيح مشرق وديباجة عربية صافية، منها مقالات لا تزال حلاوتها في نفسي، كالمقالة الرائعة التي كان عنوانها «المستقبل لله يا مسيو بونسو». والمسيو بونسو هو المفوض السامي الذي كان -كما قلت لكم- يملك من السلطان أكثر ممّا يملك الآن رئيسا سوريا ولبنان وحكومتاهما ومجلساهما.

إني أذكر بهذه المقالة قصيدة فيكتور هوغو التي حفظنا ونحن طلاّب: «نابليون الثاني»، لما ولد لنابليون بونابرت ولده الوحيد صاح فرحاً مزهواً: «المستقبل لي» (L’avenir est a moi)، فردّ عليه بقصيدة من عيون الشعر، يا ليت شاعراً مطبوعاً من شعرائنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015