ما مبلغ نجاحه وليس لي أن أحكم له، ولا أحب أن أحكم عليه، فأدع أمره لله ثم لمن شاء من الناس.

كان المفتّش العامّ لوزارة العدل يوم كان المستشار الفرنسي هو الآمر الناهي على الحقيقة ومَن عداه يأمرون وينهون على المجاز، ولكن من كان مثل النكدي لا يحني رأسه لأنه متصلب العنق (من غير مرض)، فلا يكون عنقه إلا مستقيماً؛ فكانت بينهما معارك متصلة، يهدّده المستشار بسلطان الفرنسيين ويعتمد هو على زعامته في دروز لبنان وصلته بالوطنيين، فكان المستشار يتّقيه وكان هو يأخذ الأمور بالرفق ويعالجها بالنعومة. وليست النعومة علامة الضعف ولا الخشونة أمارة القوة، فالفأس الناعمة الملمس تقطع الحطبة الخشنة، وما عَهِدَ الناس حطبة قطعت فأساً من الفولاذ مرهَفة الحدّ. حتى اشتدّ الخلاف يوماً، فأرى المستشار كيف تكون غضبة الحليم وكيف تكون عِزّة المُحِقّ ولو كانت أمام بطش المُبطِل الجبّار، فانتصرت عليه، ولكنه ترك المنصب.

وكانت له طريقة في التفتيش يا ليت كل مفتّش يتبعها؛ لم يكن يعلن موعد قدومه فيُستعد له بسدّ الفتوق وإكمال النواقص وإخفاء العيوب، ولا يجيء بالطبل والزمر كسيارة الشرطة في الأفلام، تصفر من بعيد فيسمعها اللص فيهرب، بل كان إن أراد محكمة أتاها على غير موعد ومن غير ضجيج، يلبس لباس أهل البلد ثم يدخل في غمار الناس، يرى الأمور على حقيقتها، يسمع الكلام ويراقب الوقائع ويدوّن الملاحظات، ويكتب تقريره ويعرضه على القاضي ويدعه يقول قولته فيه، ثم ينظر، فما كان من نقص يمكن إتمامه أمهله حتى يتمّه ثم عاوده فجأة فرأى ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015