يزدحمون عليها مثل ازدحامهم على الأفران أيام الحرب، حتى إنهم ليعرقلون سير الترام. فما الذي اختصت به هذه الجريدة حتى كانت لها هذه الميزة الفريدة؟

إنه رئيس تحريرها الأستاذ عارف النكدي. لقد كان رجلاً، وما كل الرجال رجال. لا أعني بالرجل الإنسان البالغ الذي ليس امرأة، فالرجال بهذا الوصف لا يُحصَون، إنما أعني الرجل الذي خبر طرق الحياة فلما رأى طريق الصدق اتخذه له طريقاً، لا يحيد عنه ولو حالت دون سلوكه الحوائل وقامت الموانع واشتدّت العقبات. وكذلك كان النكدي؛ كانت كلمته عهداً، وعهده إنفاذاً، وإنفاذه عاجلاً غير آجل. عرفته أديباً كبيراً يوم كنت شادياً في عالَم الأدب، وعرفته رئيساً لتحرير الجريدة وأنا أحد محرّريها، ووكيلاً لوزارة العدل وأنا أحد قضاتها، فوجدت النكدي الأديب، والنكدي الرئيس، والنكدي الوكيل، هو هو؛ ما بدّله المنصب فارتفع به لأنه كان في نفسه أكبر من كلّ منصب.

ولقد تنقل بين الدوائر على عهد الرئيس شكري القوّتلي، فكان وكيل الوزارة وكان مدير الشرطة وكان محافظ الجبل، لم يتولَّ أحد من الوظائف أكثر ممّا تولّى، ولا استقال أحد من الوظائف أكثر ممّا استقال.

كان أقوم وأعفّ وأحزم مَن عرفت من الموظفين، وقد حاول اثنان من تلاميذه اتباع سبيله واقتفاء أثره، فنجح الأول وهو أخي الحبيب نهاد القاسم وزير العدل في مصر والشام على عهد الوحدة، رحمه الله. والثاني كاتب هذه السطور، وما أدري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015