الجريدة وللقائمين على الإذاعة والرائي أن يريحوكم مني، فما عاد في تقويمي أمل.

إن حياتنا تلك التي كانت سعيدة على فقرها، ناعمة على خشونتها، لم تدُم علينا. لقد سعينا إلى التعلّق بأسباب الحضارة وأزمعنا المسير إليها في أرضها، فجاءنا بها أصحابها إلى أرضنا وقرعوا بها أبوابنا، ولكن الذي رأيناه منها كان الجوع والحاجة وموت الأحبّة أيام الحرب الأولى. ثم رأينا المدافع، لا في العرض العسكري، ولكن رأيناها حين دكّت بقنابلها بيوتنا ودمّرت ثلث مدينتنا، وأحرقت أجمل دورنا وأغلى قصور أغنيائنا ... رأينا كيف غصب المتحضرون منّا بلادنا وأكلوا خيراتها من دوننا، رأيناها يوم سرقوا حرّيتنا وقتلوا استقلالنا في ميسلون.

حاربنا في «ميسلون» حرباً مرتجَلة، لم نُعِدّ لها عدّتها ولم نرسم خطتها، فانهزمنا ودخل غورو دمشق، وجعل جنده يطؤون الأرض التي كان يمشي عليها بلال وأبو الدرداء ومعاوية، وظنّ أنه حلّ فيها محلّ الأخلاف من بني أمية الذين:

كانوا ملوكاً سريرُ الشرقِ تحتَهمو ... فهلْ سألتَ سرير الغربِ ما كانوا؟

عالينَ كالشمسِ في أطرافِ دولتِهم ... في كلِّ ناحيةٍ مُلكٌ وسلطانُ

رحم الله شوقي.

فهل خضعنا وخنعنا؟ لا؛ بل لقد ناضلنا، وكان نضالاً صعباً مريراً خضنا إليه سواقي من الدم، من دماء أعدائنا ودماء شهدائنا، وتخطّينا ركاماً من الجثث، وبذلنا آلافاً من المُهَج، وحملنا فيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015