حين ينادي: «ودّع والوداع لسنة يا عنب»، «هَدّوا خيامك وراحت أيامك، ما بقي في الكَرْم غير الحطب يا عنب» ... ألا يذكّركم هذا ببكاء الديار ومخاطبة الأطلال، وهو أصدق ما قال شعراء الجاهلية في شعر العاطفة؟

وفي الشام من أنواع العنب ما ليس في سواها، وآخر معرض أذكره في داريا في الغوطة الغربية عُرض فيه مئة وسبعة أنواع من العنب، ولكن مجمع الكروم ومعظمها كان في دوما، التي كانت تمتد إلى الجبل الذي فيه الثنيّة التي نزل منها خالد بن الوليد مَقْدَمَه من العراق، التي تزيد رقعتها طولاً وعرضاً على عدة أكيال (كيلومترات) والتي يُستخرج منها الدبس وقمر الدين، ثم أصابها من سنين بلاء (دودة أو مرض) أودى بها كلها فذهبت حتى الحطب، فيا أسفي على هذا الكنز الذي ذهب!

وما دمنا في الكلام على نداء الباعة فهاكم هذه الصورة العجيبة لبائع اليَخَنا (أي الملفوف): «يخَنا واطبخ، والجارية تنفخ، والعبد عَ الباب، يطرد الكلاب»، هذا يوم كان الطبخ على نار الحطب ولا تذكّى النار إلاّ بالنفح عليها، وكان في البيوت المماليك من العبيد والجواري. صورة من تاريخنا القريب.

وبائع البَليلة: «بليلة بلّلوك، وسبع جوار خدموك يا بليلة». وبائع الشّمَندر المسلوق في أيام الشتاء، يضع صينية فوق الحلّة ويصفّ عليها رؤوس الشمندر مقشورة ساخنة تُشهّي الأكل الشبعان (?)، ينادي: «بردان تعال صوبي، تعال صوبي أنا بياع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015