يا زعبوب، تمر محنى يا زعبوب، البزر بن يا زعبوب»، كلام موزون يغنّى بلا مُغَنٍّ، لا يحتاج إلاّ إلى عازف آلة يصحبه أو رِقّ يضبط نغمته.

وبائع الجَرادِق في رمضان (وهو الحلوى الرقيقة التي تكون كالطبق الواسع عليها خطوط الدبس، وهو عسل العنب) أليس نداؤه غزَلاً حلواً وتشبيباً صادقاً إذ يقول: «ياما رماك الهوى وقلبي انكوى يا ناعم»؟ وما هذا بالخيال، فالجردقة إن هبت عليها النسائم وهي في يد صاحبها طيّرها الهواء، فهل في وصف الخفّة والرقّة أجمل من هذا النداء؟

وبائع العنب في آخر الصيف إذ يودّعه: وهموم الحياة كلها يجمعها عنوان الوداع، وداع العاشق المعشوق، ووداع المريض الصّحّة، ووداع المحتضَر الحياة، اسمعوه ينادي ويا ليتني أستطيع أن أحكي نغمته أو أضع لها «نوطة موسيقية»، فهي في ذاتها شعر.

والشعر والموسيقى والتصوير لغات شتّى تعبّر عن الصورة الواحدة أو الشعور الواحد. فأنت إن كنت شاعراً عبّرت عن منظر غروب الشمس في البحر بالألفاظ والأوزان، وإن كنت موسيقياً فبالأصوات والألحان، وإن كنت مصوّراً فبالخطوط والألوان. ولمّا أصيب بتهوفن بالصمم ودخل يعزّي صديقه بوفاة ولده ولم يسمع ما قاله له ولم يسعفه المقال بما يناسب الحال قعد إلى «البيان» فعزف عليه «لحن الحزن» المعروف.

أقول: إن بائع العنب لا يبعد كثيراً عن الشعراء والعشاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015