بلا خلاف، وفيها من كل شيء: فيها الجبل والوادي، والسهل والقفر، والجنان والبساتين، والأنهار الجارية، والثمار الدانية، وكل ذلك أُلِمّ به بنظرة واحدة من شرفة بيتي في قاسيون (?). وأين مني بيتي وأين قاسيون؟ أحسب أني سأموت قبل أن أتزود منه بنظرة ... فلله وحده الشكوى.

وكنا نعيش في سعادة لأننا كنا راضين، ما كنا نتطلع إلى خير ممّا كنا فيه لأننا لم نكُن نعرف ما هو خير ممّا كنا فيه، والمرء يرضى بطعامه الذي لا يعرف غيرَه حتى يذوق ما هو أطيب منه. كنا نأوي إلى بيوتنا من بعد صلاة العشاء، وكنا نجتمع على الأُلفة الحلوة والنكتة المسلّية، وكنا نقضي حياتنا نغنّي كما يغنّي الصرصور في الصيف، فالمرء إذا انفرد بنفسه دندن بالغناء، وأَجيرُ الخبّاز وهو يحمل على رأسه «المعجن» إلى الفرن يغنّي، ونداء الباعة كله غناء في كلام إن لم يكن شعراً حقيقياً فهو خير من كثير ممّا يُنشَر اليوم على أنه شعر.

أليس شعراً (وإن لم يكن موزوناً مقفّى) نداء بائع الباذنجان: «أسود ومن سواده هرب الناطور»؟ أليست صورة ناطقة: صورة ناطور البستان يرى شدة سواد الباذنجان فيشمر عن أذيال الفرار؟ وبائع التين إذ ينادي: «دابل وعلى دباله يا عيون الحبيب، من دباله يمشي لحاله)، تين ذابل كالحبيب الذي يذبل عينيه فيسبي الناظر إليه. وبائع الزعبوب (أي الزعرور) ينادي: «أبيض أحمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015