إلى الأموي، فقد احتشد فيه جمهور من غير الوطنيين (وكان اسم الوطنيين علَماً على معارضي الانتداب) واستعدوا له من أيام وأعدوا خطباءهم، فرأينا أنهم لا يقوم لهم غيرك.

فحاولت الاعتذار فقطعوا عليّ طريقه حين قالوا: هذا قرار الكتلة، فذهبتُ. وكان لي -بحمد الله- صوت جهير، فقمت على السدّة ممّا يلي باب العمارة وناديت: «إليّ إليّ عباد الله»، وكان نداء غير مألوف ثم صار ذلك شعاراً لي كلما خطبت. فلما التفتوا إليّ بدأت بيت شوقي:

وإذا أتَونا بالصفوفِ كثيرةً ... جئنا بصفٍّ واحدٍ لن يُكسَرا

وأشرت إلى صفوفهم المرصوصة وسط المسجد وإلى صفّنا، وأفضت في الكلام أضرب على وترَين لهما في نفس كل سامع صدى: الدين وهو أول محرك للناس إن كانوا مؤمنين وكان القائل صادقاً فيما يقول، والاستقلال وهو مطمح كل سوري إلاّ من مالت به الدنيا ومنافعها إلى تأييد الغاصبين فآثرها على آخرته وعلى مرضاة ربه.

وكانت خطبة نسيها الناس إلاّ أثرها، ونسيت أنا ما قلت فيها، ولكن الذي لم أنسَه أنها أفسدت على الآخرين أمرهم وصرفت الناس عنهم، فلما خرجت خرج الجمهور ورائي، وكانت مظاهرة للكتلة لا لهم، أي للوطن لا عليه.

وقد كان يختلف الشيوخ والشباب في أسلوب العمل: أما الحرص على الاستقلال والرغبة في النضال فقدرٌ مشترك عند الشباب والكهول. ولقد قلت في محاضرة لي عن الشباب قديماً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015