ومن سطحه يُلقون الحجارة عليهم. وما جاز عتبتَه يوماً جندي من جنود فرنسا، فلما جاء الاستقلال رأينا ممّن يُعَدّ منا (وما هم في الحقيقة منا، بل هم شرّ علينا من عدوّنا) رأينا ممّن ينطق بلساننا ووُلد في أرضنا مَن يكسر باب المسجد ويدخله بسلاحه وسياراته، ويذبح المجاهدين على أرضه، ويفعل فيه كل ما ينكره الدين وتأباه المروءة وتستكبره إنسانية الإنسان، حتى لقد مرّت سنوات طوال ولا تزال على سجّاده آثار الدماء الطاهرة الزكية التي أراقها من ليس طاهراً ولا زكياً، ولكنْ جباراً عتياً وكفاراً غوياً.

فيا عجباً! أيكون من أبنائنا من هو أقسى علينا وأعدى لنا وأشد حرباً لديننا من مستعمري بلادنا؟

كنا إن أردنا أمراً تداعينا إلى صلاة الجمعة في الأموي، فإذا انقضت الصلاة خطب الخطباء ثم خرجت المظاهرة. وتوالت سنوات وأبرز هؤلاء الخطباء هو كاتب هذه السطور، وصدّقوا إن قلت لكم إني أجد أشد الحرج حين أقول هذا عن نفسي، فسلوا من شئتم ممّن أدرك تلك الأيام يخبركم بأكثر ممّا يسمح لي الخجل أن أقوله، لأن الأمر كان أظهر وأشهر من أن أقيم عليه البراهين.

وكانت بداية ذلك أن كنت يوماً أقيم في شارع بغداد (وهو ثاني شارع فُتح في دمشق بعد شارع النصر، وقد كان فتحه أيام الثورة سنة 1925)، وكنت على موعد لصلاة الجمعة في مسجد القصب في حيّنا، فجاءني جماعة من طلاّب الطبّ (وكنت أنا في الحقوق) فقالوا: إنّا نفتّش عنك فهيا معنا. قلت: إلى أين؟ قالوا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015