ولقد أرادوني على أن أنضم إليهم فلم أُرِد ذلك، ولو أردته لما قدرت عليه؛ لأن الله خلقني كالخطّ المستقيم: إن قلت لم أكذب، وإن وعدت لم أخلف. فمن كذب عليّ أو أخلف وعده لي جاهرته باللوم، أو عاقبته إن كرّر ذلك بالهجران. ثم إني صعبُ القِياد لا يستطيع أحد أن يسيّرني في طريق لا أريد السير فيه أو يُنطِقني بقول لا أعتقد صحته. ولطالما لقيت في سبيل امتناعي هذا الشدائد وأصابني الأذى، من الحُكّام ومن غيرهم من الظُلاّم، فكنت إذا انهزمت كسرت سيفي لكنْ لا أسلمه إلى عدوّي ولا أرفع له -لأنجو منه- الراية البيضاء. لذلك ابتعدت عن كل حزب أو هيئة أو جماعة أن أصير عضواً فيها. ولطالما ظن قوم أنهم استغلّوني حين جاؤوا بي أخطب في ناديهم وأنهم سخّروني فيما يريدون، ما دروا أني أنا أسخّرهم فيما أريد، ذلك أن لي غايات ثلاثاً ما عدلت عن واحدة منها ولا استبدلت بها، وما حدت عنها ولا جئت يوماً -ولله الحمد- بما يعارضها وينافيها؛ هي الدعوة إلى الإسلام وإلى العربية والدفاع عنهما وبيان محاسنهما، والدعوة إلى القوة وإلى مكارم الأخلاق، والذي نُشر ممّا كتبت أكثر من عشرة آلاف صفحة، ففتّشوا: هل ترون فيها ما يكذّب هذا الادعاء؟

* * *

وكان مقرّ قيادة النضال الشعبي ومصدرُ روح الجهاد أشرفَ مكان في دمشق: الجامع الأموي؛ فيه يكون اللقاء وفيه تُلقى الخُطَب ومنه تخرج المظاهرات، وإليه يأوي المناضلون إذا طاردهم المستعمرون (المنتدبون) ومن يمشي منّا في أذنابهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015