الجوع أَولى من قرش تشتري به الحلوى، وأنّ رصف الأزقّة وتمهيدها أجدى من إقامة نُصُب الزينة لتجميلها، والذي ما معه إلاّ خمسون ريالاً لا يبتاع بها عقدة (كرافات) تزين صدره بل ثوباً يستر عريه.
ولكن القائمين على الجامعة أبوا إلاّ أن يبقى ما كان على ما كان. وكانت الجامعة تشمل كلية الطب، وهي أكبر مني سناً، وبناتها: الصيدلة وطب الأسنان والتمريض، وكلية الحقوق، وهي أحدث مولداً ولكنها أدنى إلى التأثر بأحداث البلد وهزّات المجتمَع.
وكنا نسمي الكلية المعهد فنقول «المعهد الطبي» و «معهد الحقوق». ولقد أسدى المعهد الطبي إلى العربية خيراً كثيراً لم يستطع أحد إلى الآن -على كثرة المؤسسات وعظم النفقات- أن يقوم بنصفه؛ ذلك أنهم وضعوا المصطلحات العلمية والطبية حتى صارت كليتنا هي الكلية الوحيدة التي لم تدرّس الطب بغير العربية، وقد تحمّل ثقل هذا العمل الضخم جماعة من جاء على ذهني الآن منهم ذكرته ومن نسيته فإن الله لا ينساه، والمؤرّخون المنصفون سيذكرونه: أحمد حمدي الخيّاط، وجميل الخاني، وشوكت الشطي، ومرشد خاطر، وحسني سَبَح (رئيس مجمع اللغة العربية الآن في دمشق، وهو أقدم المجامع العربية، أنشأه كرد علي سنة 1920) ومحمد محرّم، وصلاح الدين الكواكبي.
أمّا الحقوق فقد وجدت أساتذتها لمّا دخلتها في السنة التي أتكلم الآن عنها صنفين: صنف من العلماء حقاً منهم فارس