فيكلّفني هذا الغداء مع الخدمة في المطعم فرنكاً واحداً، أي خمس هللات (هلالات)، والليرة الذهبية يومئذٍ بخمس ليرات سورية ونصف الليرة، أي بمئة وعشرة فرنكات!
مدّ يده بالليرتين فأخذتهما أمام الحاضرين جميعاً، وانصرف الرجل بعد أن عرّفنا اسمه، فما كاد يبتعد حتى انفجرَت الصدور بالضحك وأقبلوا عليّ مازحين، فمِن قائل: شاركنا يا أخي، وقائل: اعمل بهما وليمة أو نزهة في بستان ... وقد عرفتم أنهما تكفيان ثمناً لمئتين وعشرين غداء!
قلت: سترون ما أنا صانع.
وذهبت فكتبت رسالة تكلمت فيها عن المِلَل والنّحَل والمذاهب الإلحادية، وجعلت عنوانها «سيف الإسلام»، وكتبت على غلافها «طُبعت بنفقة فلان»، باسم الرجل الذي دفع الليرتين. وبلغني أنه كاد يُجَنّ ولم يدرِ ماذا يفعل، ولم يستطع أن يُنكِر أمراً يشهد عليه سبعة من أدباء البلد، وقد بلغني أن جماعته قد طردَته بعد أن عاقبَته.
وتوالت هذه الرسائل حتى زادت على العشر، وكانت تُوزّع مَجّاناً، يتولّى جمعَ المال لطبعها ويقوم بأكبر العمل في نشرها الشيخ عبد القادر العاني (رحمه الله) وجمعية الهداية الإسلامية، ولا أحتاج أن أقول إني لم آخذ منها قرشاً وإني كتبتها لله لا للمال.
الرسالة الأولى منها ليست عندي، عندي الثانية وتاريخ طبعها 1349 (1930) جاء في أولها قولي: هذه هي الكلمة الثانية