أمامها، وربما قعد كبارهم على كرسي كان هناك، وربما دخل بعضهم إليها. وهي صغيرة جداً، ولكن حماسة صاحبها وذكاءه وطلاقة وجهه وحلاوة لسانه كانت تحبّبه إلى الناس، وهو الشيخ ياسين عَرَفة، أحد رفقاء العمر. وكم قامت أمامها مناقشات ومجادلات، وكم عُرِضت مسائل في الدين وفي الأدب وتُليت قصائد ومقالات، وقد يستمرّ وقوفنا ساعات. وأمام هذه المكتبة عرفت الشاعر أحمد صافي النجفي يوم قدم دمشق، وقد وقف علينا بزيّه الغريب وعباءته البالية وعقاله يتأبط شـ ... أعني شعراً في جرائد يحملها ومجلات. قرأ علينا منه وعرّفَنا نفسه، وأنا الذي عرّف الشاميين به في مقالة نشرتها عنه. وليس الكلام عن النجفي، إنما الكلام عن رسائل «سيف الإسلام» والنجفي مررنا بذكره مروراً.
أعود إلى الموضوع: كنا يوماً أمام مكتبة عرَفة فجاء رجل لا يعرفه منّا أحد فاندسّ بيننا وحشر نفسه فينا، وجعل يتكلم كلاماً عجيباً أدركنا معه أنه يدعو إلى نِحلة من النِّحَل الباطلة. فتناوشوه بالردّ القاسي والسخرية الموجعة، فأشرت إليهم إشارة لم يدركها: أن دعوه لي. فكَفّوا عنه وجعلت أكلمه وأدور معه وألفّ به، حتى وصلت إلى إفهامه أني بدأت أقتنع بما يقول، ولكن مثل هذه الدعوة لا بد فيها من حُجّة أبلغ من الكلام. فاستبشر وقال: ما هي؟ فحركت الإبهام على السبابة، وتلك إشارة إلى النقود. قال: حاضر. وأخرج ليرتين ذهبيّتين ... يوم كانت الليرة الذهبية شيئاً عظيماً، يوم كنت أدخل أكبر وأشهر محلّ شواء فآخذ أوقية من اللحم المشوي (والأوقية مئتا غرام) ورغيفاً تَنّورياً وقطعة مخلَّل