فيقضي عليه. فلما جاء الرائي رأيناه أخطر علينا منها، لأن السينما لا نرى ما فيها حتى نذهب إليها والرائي يجيء هو إلينا، والسينما لا نحضرها إلاّ إن حجزنا لنا مكاناً فيها ولبسنا الثياب الصالحة لها ودفعنا أجرة الدخول إليها، والرائي نراه في جميع الأحوال بلا تعب ولا مال. فلما جاء «الفيديو» (وأنا سمعت خبره وما اقتنيته) هان علينا أذى السينما والرائي، فهل تأتينا الأيام والليالي بمصيبة جديدة يهون معها «الفيديو»؟
لمّا عرض عليّ الأستاذ يوسف العيسى هذا العمل قبلته فَرِحاً، لأني سآخذ بطاقة أدخل بها السينما متى شئت بالمجّان وأرى ما شئت من الأفلام، ولكني لما جرّبْت العمل ضقت به وكرهته. فالناس يدخلون السينما للمتعة وأنا أدخل للعمل، وحين تصير المتعة واجباً تفقد جمالها؛ هذه هي طبيعة النفس البشرية.
كان الحاضرون يتابعون الفِلم، يعيشون مع أحداثه، يشعرون شعور أبطاله، يخالطونهم، يحبون بعضاً منهم ويكرهون بعضاً ويحقدون على بعض ويشفقون على بعض، يكونون بنفوسهم مع الفِلم وأنا بعقلي مع الورق والقلم، أدوّن ملاحظاتي في الظلام لأخرج فأصوغ منها الفصل، فهل ترون أنه يبقى لي شيء من الاستمتاع به؟
ما كنت ناقداً فنياً ولا خالطت أهل الفن ولا عاشرتهم، وما كانت لدينا مسارح، إنما كان يزورنا بعض الفرق المصرية التمثيلية، فرقة يوسف وهبي (أي فرقة رمسيس) وفرقة فاطمة رشدي التي كانت تحاول أن تجاريها أو تزاحمها، وجاءتنا مرة فرقة أمين عطا الله، وهو لبناني (كما أظن) يقلّد نجيب الريحاني.