عن درجة الكتابة الأدبية، كنجيب الريس. وليس في هذا الكلام انتقاص من أساليب الصحفيين بل هو تقرير للواقع، ولو استطاع الصحفيون الكتابة بأسلوب الأدباء لما كانوا صحفيين ناجحين، كما أن الأدباء الذين يكتبون الأدب الخالص بأسلوب الصحفيين لا يكونون من الأدباء الموفَّقين. ذلك أن لكل مقام مقالاً وأن البلاغة هي مطابقة الكلام لِمَا تقتضيه الحال، فالصحفي يكتب لعامّة الناس، والأديب يكتب للخاصّة كلاماً تفهمه (إن قرأَتْه) العامّة، والمقالة الصحفية تُكتب ليومها، والقطعة الأدبية لليوم وللغد ولما بعد الغد.

ومن هذه الطبقة صحفيون فهموا «صناعة الصحافة» فأحسنوا فهمها، همّهم إرضاء القرّاء من غير إسخاط الحكام، وأوضح الأمثلة عليها يوسف العيسى صاحب «ألف باء». ولقد كتبت عنده بعد أن تركت «فتى العرب» على أجر اتفقنا عليه.

كان يوسف لوناً آخر ليس من لون معروف ولا من شكله؛ فذاك رجل يعيش للأدب وللفن وهذا رجل كله عقل، ذاك اعتماده على الأسلوب المزوَّق المزخرَف وهذا اعتماده على الفكرة الصحيحة المقنعة يعرضها بالأسلوب العادي الواضح، ومعروف محدّث لبق ومزّاح مؤنس فَكِه، وإذا غضب كان هجّاء كأخبث الهجّائين لساناً، ويوسف جادّ قليل الكلام عفّ اللسان.

أمّا موضوع المقالات التي كنت أكتبها في «ألف باء» فشيء تعجبون منه إذا عرفتموه؛ كنت أكتب عن أفلام السينما فصولاً قصاراً، هي وسط بين تلخيص القصة وبين نقد التمثيل، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015