كنا في سنة 1921 نقرأ في الصف السابع (أي السنة الأولى المتوسطة) كتاب «قواعد اللغة العربية» لحفني ناصف وإخوانه، ونحفظه ونؤدّي الامتحان فيه، بل نُدخِل بين كل صفحتين منه صفحتين نكتب فيهما ما نضمّه إليه ممّا نستفيده من دروس أساتذتنا. هذا الكتاب لو وعاه أستاذ العربية ووعاه الأديب واقتصر عليه لكفاه، فكم الذين يعرفونه من الطلاّب الآن؟

كانت الدرجات في الامتحان من عشر، وكان التلاميذ في فحص الإملاء في الشهادة الابتدائية تُكسَر لهم درجة من عشر لكل غلطة في الإملاء ودرجتان لكل غلطة فاحشة يضع فيها التلميذ الهمزة في غير موضعها. فإن غلط خمساً فاحشات أخذ صفراً، فسقط في الامتحان ولو جمع العلوم كلها وأحاط بها. فكم الذين ينجحون في الامتحان لو نفّذنا فيهم هذا القانون الآن؟

كنا ونحن في أول المدرسة المتوسطة نراجع في القاموس المحيط أو اللسان، فكم الذين يعرفون كيف يرجعون إليهما الآن؟ كنا نحفظ من الشعر العربي الذي يُحتجّ به، من شعر الجاهليين والإسلاميين، مئات من الأبيات. فكم يحفظ منه الطلاّب الآن؟

ومع هذا فقد كتبت هذه المقالات التي أتحدّث عنها أندب فيها العربية وأبكي عليها، وأستصرخ أُولي الأمر لنجدتها وإسعافها، فأثارت الناس وحرّكَت الحُكّام، وتحدّث بها القُرّاء في المجالس وعلّقت عليها الصحف. ثم سكن كل شيء، فكأني ما كتبت وكأن الناس ما قرؤوا!

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015