وعلا الأستاذُ المنبرَ فقال بصوت مرتجف ورنة حزينة كأنها بكاء ونحيب: أولادي، هذه آخر ساعة أراكم فيها ثم نفترق إلى غير تلاق، لأن بلادكم قد احتلّها الألمان واستبدلوا لغتهم الجرمانية بلغتكم الفرنسية، فلا فرنسية بعد اليوم.

وخنقَته العبرات فما استطاع أن يُتِمّ كلامه، فعلمت لِمَ كان الناس يسرعون إلى دار الحاكم، فواأسفاه عليك يا لغتي الفرنسية، يا لغة أمتي! ثم عاد الأستاذ فقال: والآن أصغوا إليّ لأتلو عليكم «الدرس الأخير». قم يا ...

فلم أسمع اسمي حتى ارتجفت وقمت، ولم أكن حفظت درسي فوقفت ساكناً. فقال: اجلس يا بني، اجلس، فأنا لن أعاقبك ولن ألومك فقد فات أوان اللوم والعقاب، ولكن اعلموا يا أولادي أنكم أضعتم بلادكم وسلمتموها إلى عدوكم بإهمالكم لغتكم. اسمعوا فسوف أُلقي عليكم «الدرس الأخير».

وراح يلقيه ويكتب لنا سطراً ننسخه في دفاترنا لتحسين خطوطنا: «فرنسا ألزاس، فرنسا ألزاس» حتى قُرع الجرس، فوقف ليودّعنا ويودّع معنا استقلال بلاده فقال: أيها الأحباب، إنني، إنني ... وغلبه البكاء فأسلم نفسه إليه، وبكينا كلنا معه. ثم مشى إلى اللوح فكتب عليه بحروف كبيرة: ليحيَ الوطن.

وخرج.

* * *

قبل أن أتكلم عن المقالة أصوّر لكم الظرف الذي كُتبت فيه. عرفتم أن الفرنسيين قطعوا الشام قطعاً، فبعد أن كانت كلها ولاية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015