وأنا لا أنوي أن أعيد نشر شيء منها في هذه المذكّرات، ولكني أثبت هنا صدر مقالة «إلى مجلس المعارف الكبير» لأنه نموذج للقليل الذي ترجمتُه أو لخّصتُه من الأقاصيص الفرنسية، ولأن فيه عِبرة لنا وفائدة وحثاً لنا على تدارك ما فرط منا في حقّ عربيتنا، ثم أنشر خُلاصة عن المقالة ليرى القرّاء كيف كنا ننقد أعمال الحكومة في تلك الأيام، أيام كان يحكم الفرنسيون الشام.
* * *
قال الراوية الفرنسي ألفونس دوده في قصّة عنوانها «الدرس الأخير»: حدّث صبيّ من الألزاس فقال:
غدوت إلى المدرسة صبيحة يوم من الأيام الأخيرة من العام ولمّا أحفظ درسي، فخشيت أن يقرّعني أستاذي ويعاقبني فأخذت طريق الحقول علّي أقطع النهار في اللعب واللهو، ثم بدا لي فعدت عن هذه الفكرة وذهبت إلى المدرسة قلق الذهن مشغول البال، فما استلفت نظري إلاّ إسراع الناس مصفرّة ألوانهم، عليهم أمارات الخوف والألم، إلى حيث لا أعلم. فتبعتهم حتى وصلوا إلى دار الحاكم، ثم لم أدرِ ماذا كان بعد ذلك لأني أسرعت إلى المدرسة، فذهبت سعياً إلى غرفة الدرس فوجدت الأستاذ هامل يروح ويجيء فيها قلِقاً، قد ارتدى حلته الرسمية التي ما كان يلبسها إلاّ في يوم احتفاء أو عند قدوم مفتّش. ورأيت بعضاً من أهالي القرية قد جلسوا على المقاعد واجمين شاخصة أبصارهم بوجوه كئيبة مكفهرّة، فانسللت إلى مكاني وأنا أشدّ ما أكون حيرة ووجلاً.