لها حدّ؛ تنتهي حريتك في أرضك حيث تبدأ حرّية جارك في أرضه. لا أريدها حرّية الكفر بل حرّية الفكر، فإن مسّت ديننا أو أضرّت بأمّتنا أو أفسدَت أخلاقنا قلنا لها: كلا!
وقد جرّبنا الحرّية المطلَقة في صحافة لبنان، فصار من بعض الصحف سفارات أجنبية ومن بعض الأقلام معاول للهدم، وجرّت علينا ما نرى اليوم ونسمع.
* * *
وفي الأشهر الخمسة التي لازمت فيها «فتى العرب» كنت أكتب كل يوم مقالة، منها سلسلة كان عنوانها «أحاديث ومشاهدات» أشرت إليها في الحلقة السابقة من هذه الذكريات فيها مقالة كان عنوانها «إلى مجلس المعارف الكبير»، هذه التي جاء مستشار المعارف نفسه إلى الجريدة ومعه ترجمانه ميشيل السبع ليكلمني فيها.
أكثر القرّاء لا يعرفون ماذا كان المستشار؟ كان المستشار هو الوزارة، هو يقضي وهو يُمضي، وهو يرفع وهو يضع، الأمر كله إليه والوزير معه كملكة الإنكليز مع رئيس وزرائها، إلاّ أن يجيء وزير قوي كفارس الخوري فيستردّ منه ما يستطيع استرداده من حقوقه. فإذا ذهب ذهب ما استردّه وعاد الأمر كله إلى المستشار.
هذه المقالات في «فتى العرب» ضاعت مني، ما بقي لديّ منها إلاّ أربع. ولو كان يتحقق في الدنيا المستحيل وخطر على بال أحد يوماً (بعد موتي) أن يطبع كل ما كُتب، واستطاع أن يجد مجموعة أعداد «فتى العرب» لوجدها فيها.