وكان أكبر عالِم بالفلسفة، ردّ على الغزالي بعد موته بزمن طويل. وذلك أن الغزالي كان أستاذاً في «المدرسة النظامية» يوم كانت تُعَدّ الجامعةَ الكبرى في العالَم المتحضر، فلخّص مذاهب الفلاسفة وشرَحها شرحاً واضحاً بيّناً على عادته في كل ما يكتب، وصار كتابه هذا «مقاصد الفلاسفة» مرجعاً لكل من درَسها، ثم ردّ عليها ونقدها في كتابه المشهور «تهافت الفلاسفة»، هذا الذي ردّ عليه ابن رشد في كتابه «تهافت التهافت»، وقد طُبع الكتابان معاً (ومعهما رسالة لمؤلّف ليس من طبقتهما ولا من أقرانهما، حشر نفسه أو حشروه معهما).

* * *

ولابن رشد أمثال من الذين جمعوا علوماً مختلفة أو كانوا أدباء وكانوا فقهاء وعلماء، أعرف من هؤلاء الكثير الكثير، ولكن لمّا ضَعُفَت الملَكات وكان ما يُدعى بعصر الانحطاط، انفكّت الصلة بين الأدب والعلم وضاعت الملَكة البيانية فافتقدها أكثر المؤلّفين. ولمّا كنا صغاراً كان العلماء بين اثنين: عالِم بالعلوم الشرعية لكنه وقف عند القديم الموروث فلم يجاوزه وجَهِلَ مااستُحدث في العلوم بعد عصر النهضة فلم يعرفه، وعالِم درس العلوم الحديثة (التي كانوا يدرسونها على أيامنا في إسطنبول، ثم صاروا يدرسونها في لندن أو باريس أو أمريكا).

كان من علمائنا في الشام من يُنكِر كروية الأرض، مع أن المسلمين عرفوها من قديم، بل إنهم قاسوا طول خطّ الاستواء أيام المأمون إذ أوفد (كما أحفظ، ولعلّي لا أكون ناسياً أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015