نازلتها وكانت يوماً قريعتها وأوشكت أن تظفر بها، وما هي إلاّ مستعمَرة فينيقية صغيرة قادها القائد البطل «هاني بعل» فجعلها تنازل روما، هي قرطاجة التي تقع اليوم في أرض تونس، برق لها بارق مجد ثم اختفى. ونابليون وهتلر، ومن قبلهما شارلمان وشارلكان، ومن بعدهما الإمبراطورية النمساوية، وبريطانيا العظمى التي لم تعُد عظمى والتي غابت عنها الشمس وما كانت تغيب من قبلُ عن أملاكها، وما ترون الآن من سلطان الروس والأمريكان ...

لكلّ أمّة يوم تنهض فيه، تكون قبله نائمة وترجع بعده إلى المنام، إلاّ أمّة محمد ‘؛ فإن البطولة سجيّة فيها، تجري في عروقها، تخالط روحها، فكلما أدركها ليلٌ وظنّ الناس أنها قد انتهت أرجعها صفاءُ الليل إلى نفسها فحاسبَتها، وسدّت الثلمات في قلعتها، وجدّدَت من عتادها، وأصلحت ما بينها وبين ربها، فطلع عليها بعد الليل فجرُ نهار جديد.

وهذا الذي ورد من أن الله يبعث لهذه الأمة كلما طال عليها الأمد وقسَت منها القلوب مَن يجدّد لها دينها، لا يأتيها بدين جديد فإن محمداً ‘ خاتم الرسل ودينه آخر الأديان، ولكن يُزيل عنه ما علق به من البدع والأدران، فيعود جديداً كما يعود الثوب الوسخ إن مسّته يد الغسّال ومشت عليه كف الكوّاء.

* * *

أعود الآن لأصل ما قطعتُ في الحلقة الماضية، ولن أروي لكم خطبتي كلها بل أنقل فقرات أخرى منها. حدّثتكم حديث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015