طبع الكتاب ووضع فيه ذوقه وفنه وخبرته وتجرِبته.

* * *

بدأتُ كتابة الذكريات وليس في ذهني خطّة أسير عليها ولا طريقة أسلكها، وأصدُق القارئ أني شرعت فيها شبه المكرَه عليها، أكتب الحلقة ولا أعرف ما يأتي بعدها، وكثيراً ما كنت أنسى ما الذي كتبته في التي قبلها، فجاءت غريبة عن أساليب المذكّرات وطرائق المؤرّخين؛ فمن المؤرّخين من مشى مع السنين اقتداء بشيخهم وشيخ المفسّرين الطبري، فقطّع الحادث الواحد تقطيعاً فأضاع وَحدته وأبلى جِدّته، ومنهم من جمع الأحداث، ربط مبداها بمنتهاها ولكنه أخفى زمانها.

ووجدت الذين كتبوا مذكّراتهم في هذه الأيام منهم من اعتمد على وثائق مدوَّنة أو وصف للحادثات كتبه في حينها. وأنا لا أملك إلا بعض الأوراق الرسمية المدرسية أو الوظيفية أو الصور الشمسية، وكثيرٌ منها لم يكُن تحت يدي وأنا أكتب، وقلت لنفسي: إن جاءت مهوّشة على غير نظام فكذلك الدنيا؛ الدنيا فيها صحو ومطر، ومسرّة وكدر، ويسر وعسر، وضحك وبكاء، وشدة ورخاء. ولكن هل يأتي ذلك على ترتيب معروف ونهج واضح؟

كذلك جاءت ذكرياتي.

ولعلي إن مدّ الله في الأجل ونشّطني للعمل أعود إليها فأستأنف النظر فيها فأَنْظمها في خيط واحد، أضمّ النظير إلى نظيره، أجمع الأشياء وأؤلف بين النظائر حتى يأتي الحديث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015