تُعطيهم ما شئت من صورة أو كلام تختاره، فتأتي من الغد فتأخذ ذلك على حلية من الفضّة أو على آنية. والكتابة لا تمّحي أبداً، على دقّة في الصناعة وجمال في الشكل.
جزت هذه الطرق كلها فلم أكَد أجد إلاّ ملامح ضئيلة من رمضان لا تكاد تبين. كنت أرى رمضان في مسجد الإمام الأعظم، ولرمضان في هذا المسجد أثرٌ ما محته من نفسي هذه السنون. وكنت (ولا أزال) أحبّ سماع التلاوة بالنغمة العراقية، وأجدها أقرب إلى الخشوع وإلى الرجولة والقوّة في الأداء وأبعد عن الميوعة والتكسر. ولكنّ عيب كثير ممّن سمعت من أولئك القرّاء أنهم لا يُتقِنون أحكام التجويد. والتجويد هو مخارج الحروف والمدود وأحكام النون والميم، والأداءُ أي الترقيق والتفخيم وإعطاء الحروف حقّها. فهم يطوّلون المدود حتّى تجاوز حدها ويُظهِرون النون التي يكون حقّها الإخفاء (ومن القرّاء المشهورين من يُظهِر النون في مواضع إخفائها كالشيخ عبد الباسط).
ومن المفارقات، بل من المقارفات، أنه عُلِّق في المدرسة إعلان بوجوب المحافظة على الصيام ومراعاة حرمة شهر رمضان ومنع المجاهرة بالإفطار، مع التهديد بالعقاب الشديد. فأخذت أنور ومظهر رحمهما الله (أنور العطار وأحمد مظهر العظمة) وذهبنا إلى وزارة المعارف فسألنا عن غرفة من أمضى ذلك الإعلان، فدخلنا عليه فرحّب بنا وأحسن استقبالنا قبل أن يعرف مقصدنا من زيارتنا، وقال: "تريدون قهوة ولاّ شاي"؟ قلنا: لقد جئنا لنشكر لك أنك قمت بما يُرضي الله، وطلبت المحافظة على الصيام ومراعاة حرمة شهر رمضان. فخجل وأطرق برأسه،