ثم وصف ظاهرة ممّا يصنع الجيش موجودة دائماً ولكن لم ينتبه إليها الكثير من الشعراء، هي أن الجيش إذا نزل منزلاً نصب خيامه وأقام بنيانه فيتحول منزله إلى مدينة كاملة. والصورة القريبة لهذا ما ترونه في عرفات وفي منى أيام الحجّ. عرفات بسيط من الأرض ما فيه شيء من البناء، فإذا كان يوم عرفة تحوّل فصار مدينة كاملة بطرقها وبنيانها وناسها. وقال:
إذا حلّ في أرضٍ بناها مدائناً ... وإن سار عن أرضٍ ثوَتْ وهْي بلقعُ
ثم وصف الجيش في الليل وهم يرفعون المشاعل التي لا يُحصى عددها، وهي صورة حقيقية واقعية:
فلما تداركْتُ السُّرادِقَ في الدُّجى ... عَشَوْتُ إليهِ والمَشاعلُ تُرفَعُ
وهَمْهَمَ رَعدٌ آخِرَ الليلِ قاصفٌ ... ولاحَ مَعَ الفجرِ البَوارقُ تلمُعُ
وفزع الوحش قبل أن يفزع الناس من هذا الجيش، فتساءلوا فيما بينهم: ماذا حلّ بنا؟
وأوحَت إلينا الوحشُ: ما اللهُ صانعٌ ... بنا وبِكُم؟ من هولِ ما نَتَسمّعُ
ولم تَعلمِ الطّيرُ الحَوائمُ فوقَنا ... إلى أينَ تَستذري ولا أينَ تَفزعُ
إلى أن تَبَدّى سَيفُ دَولةِ هاشمٍ ... على وجهِهِ نورٌ مِنَ اللهِ يَسطَعُ