وقد لاحظتم أن الصورة الأخيرة مسروقة من قصيدة البحتري في المتوكّل التي مرّت قبل قليل، ولم يبلغ فيها مبلغَ البحتري ولا سما سُمُوّه. ولكن لابن هانئ قصيدة مفردة لا أعرف لها مثيلاً في شعرنا هي قصيدته في وصف الأسطول، وكان يومئذ أقوى أسطول في البحر الأبيض المتوسط الذي كان يُسمّى تارة بحر الروم وتارة بحر العرب. مَن قرأ هذا الوصف علم بأن هذا الأسطول كان -لضخامته وكبر سفنه وقوة سلاحه- كأنه من أساطيل الدول الكبرى في هذا العصر. يقول:

مَوَاخِرُ في طامي العُبابِ كأنّها ... لِعَزْمِكَ بأسٌ أو لكفِّكَ جُودُ

أنافَتْ بها أعلامُها وسَمَا لها ... بناءٌ على غَيرِ العَراءِ مَشِيدُ

عمارة ضخمة ولكنها ليست مبنيّة على أرض راسية، وإنما هي مَشِيدة على وجه الماء:

مِنَ الرّاسياتِ الشُّمِّ لولا انتقالُها ... فمنها قِنَانٌ شُمَّخٌ ورُيودُ

أي أن هذه السفن كأنها الجبال الراسية، وكأن فيها الصخور العالية الكبيرة، لكنها تنتقل وتمشي:

مِنَ الطيرِ إلاّ أنّهنّ جَوارحٌ ... فليسَ لها إلاّ النفوسُ مَصيدُ

مِنَ القادحاتِ النارَ تُضْرَمُ لِلطُّلى ... فليسَ لها يومَ اللقاءِ خُمودُ

إذا زفرَت غَيظاً ترامَتْ بمارجٍ ... كما شُبَّ من نارِ الجَحيم وَقودُ

يصف سلاحاً فيها يشبه المدافع وليس بالمدافع، يطلق النيران على الأعداء:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015