لقد شبّهه بيوم الحشر؛ جيش سدّ الأفق بمثل عرض الأفق. وكانوا متوجّهين إلى مصر، أي إلى جهة الشرق، فحجب غبارُ الجيش الشمسَ عنهم من هنا وبقيت طالعة من هناك، فقال:

رأيت بعيني فوقَ ما كنتُ أسمَعُ ... وقَد راعَني يومٌ مِنَ الحشرِ أروَعُ

غداةَ كأنّ الأُفْقَ سُدَّ بمثلِهِ ... فعادَ غُروبُ الشّمسِ من حيثُ تطلُعُ

فلم أدرِ إذْ سلّمتُ كيفَ أشيّعُ ... ولم أدرِ إذْ شَيّعتُ كيفَ أودّعُ

وكيفَ أخوضُ الجيش والجيشُ لُجّةٌ ... وإني بمَنْ قادَ الجيوشَ لَمولَعُ

وأينَ؟ وما لي بينَ ذا الجمعِ مسلَكٌ ... ولا لجوادي في البَسيطةِ موضعُ

إلى أن قال:

تسيرُ الجبالُ الجامداتُ لسَيْرِهِ ... وتسجُدُ مِنْ أدنى الحَفيفِ وتركعُ

لا تظنوا أن تشبيه أسلحة الجيش بالجبال من المبالَغات، فلقد كان المسلمون في تلك الأيام يستعملون في الحرب أسلحة كثيرة، منها الكِباش: عربات لها رأس مستطيل من الحديد يدفعونها لتثقب الأسوار، والعرّادات التي كانت مثل المدافع، تقذف النار التي كانوا يسمّونها «النار اليونانية». وكانت لهم أبراج محميّة ذات طبقات متعدّدة تمشي على دواليب، تسير مع الجيش. هذه التي شبّهها الشاعر بالجبال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015