فهل ترون الخليفة، المتوكّل، زُهِي وتكبّر وشمخ بأنفه؟ لا، بل مشى مِشية الخشوع والتواضع. التواضع لمن؟ للناس؟ لقد كان الخليفة يومئذ أعزّ رجل على ظهر الأرض وكان يحكم من البلدان ما لا يحكم مثله ملك ولا سلطان، لكنه كان متواضعاً لله:

ومشَيت مِشيةَ خاضعٍ متواضعٍ ... للهِ، لا يُزهَى ولا يَتَكَبّرُ

ثم جاء البحتري ببيت عجيب، وإن كان قد سرق معناه من أستاذه أبي تمام قال:

فلَوَ انّ مشتاقاً تكلّف فوقَ ما ... في وُسعِهِ لسعى إليكَ المِنبرُ

* * *

وهذه قصيدة ابن هانئ الأندلسي في وصف جيش جوهر، قائد المُعِزِّ الفاطمي الذي خرج به من القيروان إلى مصر ففتحها، وقال في فتحها قصيدته:

تقولُ بنو العبّاسِ: هل فُتِحت مصرُ؟

فقُلْ لبني العبّاسِ: قد قُضيَ الأمرُ

وابن هانئ كان يُسمّى متنبي المغرب، وكان شاعراً. ولقد ظلمه الذي شبّه شعره برحى تطحن قروناً، أي أن لها جعجعة وليس لها طحن. لا، بل إن له -على كفره وسوء معتقَده- من نوادر المعاني وروائع الصور ما يقعد به في صفّ كبار الشعراء.

يقول: إنه سمع عن عظمة هذا الجيش وعن عَدَده وعُدَده، والخبر غالباً أكبر من العيان، فلما رآه رأى فوق ما سمع، حتّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015