راجع امرأته، وقد كان طلّقها، وأشهد على رجعتها، فأتى ابن عباس، فسأله عن وتر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ فقال ابن عباس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض ... " الحديث.
(فَقَالَ) ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - (أَلَا أُنَبِّئُكَ) من الإنباء، أو من التنبيء، ولفظ مسلم: "ألا أدلّك" (بِأَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) فيه أنه يستحبّ للعالم إذا سئل عن شيء، ويعرف أن غيره أعلم به منه أن يرشد السائل إليه، فإن الدين النصحية، ويتضمّن مع ذلك الإنصاف، والاعتراف بالفضل لأهله، والتواضع.
(قَالَ:) سعد (نَعَمْ) أي أنبئيني به، ولفظ مسلم: "مَن؟ "، أي من هو الأعلم بذلك؟ (قَالَ:) ابن عباس (عَائِشَةُ) خبر لمحذوف، أي هي عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وإنما كانت عائشة أعلم بذلك لأن الوتر صلاة ليليّة، تؤدّى في البيت، وأمهات المؤمنين أعلم بذلك، وأولاهنّ به عائشة، لشدة حرصها على حفظ آثار النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وكان يخصّها بما لم يخصّ به غيرها، من نسائه، فقد كان يحبّ الْمُقام عندها كثيرًا، وقد تنازلت لها سودة بنت زَمْعة عن نَوْبتها - رضي اللَّه عنهما - (ائْتِهَا) بهمزتين، الأولى همزة وصل، والثانية فاء الكلمة، وفي نسخة "ايتها" بإبدال الهمزة الثانية ياء، لوقوعها ساكنة بعد كسرة همزة الوصل، ولم تُبدل في النسخة الأولى على تقدير إسقاط همزة الوصل، لوصل الكلمة السابقة بها (فَسَلْهَا) وفي نسخة، "فاسألها" (ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي) وفي نسخة "وأخبرني" (بِرَدِّهَا عَلَيْكَ) أي بجوابها على سؤالك، وفيه شدّة حرص ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - على تعلم سنة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإنما لم يتعلّم بنفسه منها، لكونه لا يدخل عليها، كما سيذكره آخر الحديث (فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ ابْنِ أَفْلَحَ) حجازيّ، روى عن أبي مسعود، وعائشة، وروى عنه جعفر بن عبد اللَّه، والد عبد الحميد، لم يرو عنه غيره، كما قاله الذهبيّ، له في "ابن ماجه" حديث واحد في ما للمسلم على المسلم، وذكره ابن حبّان في "الثقات" (فَاسْتَلْحَقْتُهُ) وفي نسخة "واستلحقته" (إِلَيْهَا) أي طلبت منه أن يلحق بي، ويصاحبني في ذهابي إلى عائشة - رضي اللَّه عنها -، وإنما طلب ذلك منه لمعرفتها إياه، دون سعد ابن هشام، كما يدلّ عليه ما يأتي (فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا) اسم فاعل من قَرَب يقرُب، كقتل يقتُلُ، وفيه لغة أخرى، كتعب، يقال: قَرَبْتُ الأمرَ، أَقرُبُهُ، من باب قَتَلَ، وتَعِبَ، قِرْبَانًا بالكسر: فعلته، أو دانيته، ومن الأول قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}، ومن الثاني قولك: لا تقرب الحمى، أي لا تدن منه. وأما قرُب بضم الراء، ككَرُم، فإنه لازم يتعدى بـ "من"، يقال: قرُب الشيء، منّا، قُرْبًا، وقَرَابة، وقُرْبة، وقُرْبَى (?).