ممن يرى تقديم خطبة العيد على الصلاة، والجمهور على خلافه (فَأَطَالَ الخُطْبَةَ، ثُم نَزَلَ) أي من المنبر (فَصَلَّى) أي صلاة العيد (وَلَمْ يُصَلً لِلنَّاسِ) وفي نسخة "بالناس (يَؤمَئِذٍ الْجُمُعَةَ) وفي نسخة "يوم الجمعة"، أي لم يصل في ذلك اليوم، وهو يومُ الجمعة صلاةَ الجمعة، وفي رواية أبي داود: "فصلاهما ركعتين بُكرةَ، لم يزد عليهما حتى صلّى العصر"
قال العلامة الشوكاني -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهره أنه لم يصلّ الظهر، وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر، وإليه ذهب عطاء، حكى ذلك عنه في "البحر"، والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل، وأنت خبير بأن الذي افترضه اللَّه تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة، فإيجاب صلاة الظهر على من تركها لعذر، أو لغير عذر محتاجٌ إلى دليل، ولا دليل يصلح للتمسّك به على ذلك فيما أعلم.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تقدم أن القول بسقوط صلاة الظهر هو الذي يحتاج إلى دليل، فالحقّ أن صلاة الظهر لا تسقط عمن سقطت عنه الجمعة لما ذُكِرَ، هذا ما عندي، واللَّه تعالى أعلم.
وقال صاحب "المنتقى" بعد أن ذكر رواية ابن الزبير هذه: ما نصه: إنما وَجْهُ هذا أنه رأى تقدمة الجمعة قبل الزوال، فقدّمها، واجتزأ بها عن العيد انتهى.
قال الشوكاني: لا يخفى ما في هذا الوجه من التعسف انتهى (?).
(فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَباس) ببناء الفعل للمفعول، واسم الإشارة نائب فاعله، أي ذُكر لعبد اللَّه ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - ما صنعه عبد اللَّه بن الزبير - رضي اللَّه عنهما - من الاجتزاء بصلاة العيد عن صلاة الجمعة لاجتماعهما في يوم واحد (فَقَالَ) أي ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - (أَصَابَ السُّنَّةَ) أي الطريقة الثابتة عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وفيه أن الرخصة في هذا ثابت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - هذا صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا 32/ 1592 - وفي "الكبرى" - 28/ 1794 - بالإسناد المذكور، واللَّه تعالى أعلم.