عند النسائي، والإسماعيليّ نحوه، وقال في آخره: "وكفر بي"، أو قال: "كفر نعمتي"، وفي رواية أبي هريرة عند مسلم: "قال اللَّه: ما أنعمت عدى عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين بها"، وله في حديث ابن عباس: "أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر".
وعلى الأول حمله كثير من أهل العلم، قال: وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ-، قال في "الأمّ": من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يَعْنُون من إضافة المطر إلى أنه مَطَرُ نوءِ كذا، فذلك كفر، كما قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - , لأن النوء وقت، والوقت مخلوق، لا يملك لنفسه، ولا لغيره شيئًا، ومن قال: مُطرنا بنوء كذا على معنى مُطرنا في وقت كذا، فلا يكون كفرًا، وغيرُهُ من الكلام أحبّ إليّ منه، يعني حسمًا للمادّة، وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث.
وحكى ابن قُتيبة في "كتاب الأنواء" أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكره الشافعي، قال: ومعنى النَّوْء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر، قال: وهو مأخوذ من ناء: إذا سقط.
وقال آخرون: بل النوء طلوع نجم منها، وهو مأخوذ من ناء: إذا نهض، ولا تخالف بين القولين في الوقت, لأن كلّ نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب، لا يزال ذلك مستمرّا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة، فإن لكلّ واحد منها ثلاثة عشر يومًا تقريبًا.
قال: وكانوا في الجاهلية يظنّون أن نزول الغيث بواسطة النَّوْء، إما بصنعه على زعمهم، وإما بعلامته، فأبطل الشرع قولهم، وجعله كفرًا، فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعًا في ذلك، فكفره كفر تشريك، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة، فليس بشرك، لكن يجوز إطلاق الكفر عليه، وإرادة كفر النعمة, لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة، فيحمل الكفر فيه على المعنيين، لتناول الأمرين. واللَّه تعالى أعلم.
ولا يَرِدُ الساكت, لأن المعتقد قد يشكر بقلبه، أو يكفر، وعلى هذا فالقول في قوله: "فأما من قال" لما هو أعمّ من النطق والاعتقاد، كما أن الكفر فيه لما هو أعمّ من كفر الشرك، وكفر النعمة، واللَّه أعلم بالصواب. انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.