وفي رواية سعيد المقبريّ الآتية، عن شريك، عن أنس قال: "واللَّه ما هو إلا أن تكلم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك تمزّق السحاب حتى ما نرى منه شيئًا"، أي في المدينة، وفي رواية ثابت، عن أنس: "فتقشعت عن المدينة، فجعلت تمطر حولها، وما تمطر بالمدينة قطرة ... "، ولمسلم "ولقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملا يُطوى" بضم الميم والقصر، وقد يمدّ جمع ملاءة ثوب معروف، وللبخاريّ "فلقد رأيت السحاب يتقطّع يمينا وشمالًا، يُمطرون أهل النواحي، ولا يمطر أهل المدينة"، وله أيضًا "فجعل السحاب يتصدّع عن المدينة، يريهم اللَّه كرامة نبيه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإجابة دعوته"، وله أيضًا "فتكشطت، فجعلت تمطر حول المدينة، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل"، ولأحمد "فتقوّر ما فوق رؤوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل"، والإكليل بكسر الهمزة، وسكون الكاف: كل شيء دار من جوانبه، واشتهر لما يوضع على الرأس، فيحيط به، وهو من ملامس الملك كالتاج، وفي رواية إسحاق عن أنس "فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة"، و"الجوبة" بفتح الجيم، ثم الموحّدة، وهي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها هنا الفرجة في السحاب.

وقال الخطابي: المراد بالجوبة هنا الترس، وضبطها الزين ابن المنيّر تبعًا لغيره بنون بدل الموحدة، ثم فسره بالشمس إذا ظهرت في خلال السحاب، لكن جزم عياض بان من قاله بالنون فقد صحّف.

وفي رواية إسحاق من الزيادة أيضًا: "وسال الوادي وادي قناة شهرًا"، و"قناة" بفتح القاف والنون الخفيفة عَلَمٌ على أرض ذات مزارع بناحية أحد، وواديها أحد أودية المدينة المشهورة قاله الحازمي.

واستشكل بأن بقاء المطر فيما سواها يقتضي أنه لم يرتفع الإهلاك، والقطع، وهو مطلوب السائل بقوله: "تهدمت البيوت، وانقطعت السبل".

والجواب أنه استمر فيما حول المدينة من الآكام، وبطون الأودية، لا في الطرق المسلوكة، ولا البيوت المسكونة، ووقوع المطر في بقعة دون بقعة كثير، ولو كانت تجاورها، وإذا جاز ذلك جاز أن يوجد للمواشي أماكن تسكنها، وترعى فيها بحيث لا يضرّها ذلك المطر .. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015