أنت الثبات للرؤية التي سألتها انتهى (?).

وقال في "الفتح": وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة، وقال: إنها لم تثبت، فيجب تكذيب ناقلها، قال: ولو صحّت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعيّة، لا تُصادم أصلًا من أصول الشريعة.

قال ابن بزيزة: هذا عجيب منه، كيف يسلّم دعوى الفلاسفة، ويزعم أنها لا تصادم الشريعة، مع أنها مبنية على أن العالم كُرَويّ الشكل، وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك، والثابت من قواعد الشريعة أن الكسوف أثر الإرادة القديمة، وفعل الفاعل المختار، فيخلق في هذين الجرمين النورَ متى شاء، والظلمةَ متى شاء، من غير توقّف على سبب، أو ربط باقتراب، والحديث الذي ردّه الغزاليّ قد أثبته غير واحد، من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضًا, لأن النورية، والإضاءة من عالم الجمال الحسيّ، فإذا تجلّت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ويؤيّده قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] انتهى.

ويؤيّد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس، وقد انكسفت، فبكى، حتى كاد أن يموت، وقال: هي أخوف للَّه منّا.

وقال ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: ربّما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: "يخوّف اللَّه بهما عباده"، وليس بشيء, لأن للَّه أفعالًا على حسب العادة، وأفعالًا خارجة عن ذلك، وقدرتُهُ حاكمة على كلّ سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب، والمسبّبات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك، فالعلماء باللَّه لقوّة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف؛ لقوّة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء اللَّه خرقها.

وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقًا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوّفًا لعباد اللَّه تعالى انتهى ما في "الفتح" (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- هنا تحقيق حسن جدًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَصَلَّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا، مِنَ الْمَكْتُوبَةِ") أي مثل الصلاة المكتوبة التي صلّوها قبل حدوث الكسوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015