خلفه (فَقَامَ قِيَامًا، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَسَجَدَ) فيه أنه لم يركع إلا ركوعًا واحدًا، فيدلّ على أن من كيفيات صلاة الكسوف أن تصلَّى بركوع واحد، وسجدتين، وقد تقدّم تحقيق القول في ذلك في المسألة الثالثة من 3/ 1461 (فَأَطَالَ السُّجُود، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ، وَجَلَسَ، فَأَطَالَ الْجُلُوسَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَامَ، فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولىَ، مِنَ الْقِيَامِ، والرَّكْوعٍ، وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ، فَجَعَلَ يَنْفُخُ، في آخِرِ سُجُودِهِ، مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَبْكِي، وَيَقُولُ: "لم تَعِدْنِي هَذَا، وَأَنَا فِيهِمْ، لْمَ تَعِدْنِي هَذَا، وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ") أي ما وعدتني هذا، وهو أن تعذّبهم، وأنا فيهم، بل وعدتني خلافه، وهو أن لا تعذبهم، وأنا فيهم، يريد به قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية [الأنفال: 33] , وهذا من باب التضرّع في حضرته، وإظهار غناه عن خلقه، وفقر الخلق إليه، وأن ما وعد به من عدم العذاب مادام فيهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يمكن أن يكون مقيّدًا بشرط، وليس مثله مبنيّا على عدم التصديق بوعده الكريم، وهذا ظاهر، واللَّه تعالى أعلم (?)
(ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَخَطَبَ النَّاسَ) قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا دليل لمن قال: من سنّتها الخطبةُ، وهم الشافعيّ، وإسحاق، والطبريّ، وفقهاء أصحاب الحديث، وخالفهم في ذلك مالك، وأبو حنيفة، وقالا: إن هذه الخطبة إنما كان مقصودها زجرُ الناس عما قالوا من أن الكسوف إنما كان لموت إبراهيم، وليخبرهم بما شاهد في هذه الصلاة، مما اطلع عليه من الجنة والنار انتهى (?).
قال الجامع -عفا اللَّه عنه-: ما قاله الأولون هو الصواب. واللَّه تعالى أعلم.
(فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) أي دليلان على وجود الحقّ سبحانه، وقهره، وكمال إلهيته، وقد خصهما بالذكر لِمَا وَقَعَ للناس من أنهما يخسَفان لموت عظيم، وهذا إنما صدر عمن لا علم عنده، ممن ضعف عقله، واختلّ فهمه، فردَّ عليهم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - جهالتهم، وتضمّن ذلك الردَّ على من قال بتأثيرات النجوم، ثم أخبر بالمعنى الذي لأجله يكسفان، وهو أن اللَّه تعالى يخوّف بهما عباده.
قال القرطبي -رحمه اللَّه تعالى-: فإن قيل: فأيّ تخويف في ذلك، والكسوف أمر عاديّ بحسب تقابل هذه النيّرات، وحَجْب بعضها بعضًا، وذلك يَجري مجرى حَجْب الجسم الكثيف نورَ الشمس عما يُقابله من الأرض، وذلك لا يحصل به تخويف؟