والنسائي-16/ 1490 - ، وابن ماجه، وصححه ابن خُزيمة، وابن حبان من رواية أبي قلابة، عن النعمان بن بشير - رضي اللَّه عنهما -، قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فخرج فزعًا، يجرّ ثوبه، حتى أتى المسجد، فلم يزل يُصلي حتى انجلت، فلما انجلت قال: إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك ... " الحديث.

وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، وهو نحو قوله في الحديث الآتي في "الاستسقاء" -16/ 1525 - : "يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا". قال الخطابي -رحمه اللَّه تعالى-: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت، أو ضرّ، فأعلم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخّران للَّه، ليس لهما سلطان في غيرهما, ولا قُدرة على الدفع عن أنفسهما، وفيه ما كان عليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الشفقة على أمته، وشدة الخوف من ربه، وسيأتي لذلك مزيد بيان، إن شاء اللَّه تعالى.

(وَلَا لِحَيَاتِهِ) استشكلت هذه الزيادة؛ لأن السياق إنما ورد في حقّ من ظنّ أن ذلك لموت إبراهيم، ولم يذكروا الحياة.

وأجيب بأن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول: لا يلزم من نفي كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد، فعمم الشارع النفي، لدفع هذا التوهم (?).

(وَلَكِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، يُخَوِّفُ بِهمَا) أي بكسوفهما (عِبَادَهِ) فيه ردّ على من زعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي، لا يتأخر، ولا يتقدّم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف، ويصير بمنزلة الجَزْر والمد في البحر. وقد ردّ ذلك عليهم ابن العربيّ، وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى - رضي اللَّه عنه - الآتي-25/ 1503 - حيث قال: "فقام فزعًا، يخشى أن تكون الساعة" قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق، والصدقة، والصلاة، والذكر معنى، فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كل ما ذُكر من أنواع الطاعة يُرجى أن يُدفع به ما يُخشى من أثر ذلك الكسوف.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي -كما قال بعض المحققين- أن ما قاله أهل الهيئة لا ينافي ما ذُكر؛ فإن العلم بحصول الكسوف لا ينافي التخويف؛ لأنا لا ندري ما وراء ذلك. واللَّه تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015