معناها النافلة (قَالَ) أي ابن عمر (مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟) "ما" استفهامية، والاستفهام هنا للإنكار (قُلْتُ) القائل حفص بن عاصم (يُسَبِّحُونَ، قَالَ) أي ابن عمر (لَوْ كُنْتُ مُصَلِّيًا قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا) أي قبل الركعتين اللتين صليتهما قصرًا (لأَتْمَمْتُهَا) أي أتممت المكتوبة، وأفرد الضمير في المواضع الثلاث باعتبار الصلاة، كما تقدم في الحديث الذي قبله.
يعني أنه لو كان مخيّرًا بين الإتمام، وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحبّ إليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يُصلي الراتبة، ولا يُتمّ. قاله في "الفتح".
وقال السندي -رحمه اللَّه تعالى-: لعلّ المعنى: لو كنت صليت النافلة على خلاف السنة لأتممت الفرض على خلافها، أي لو تركت العمل بالسنة لكان تركها لإتمام الفرض أحبّ، وأولى من تركها لإتيان النفل، وليس المعنى: لو كانت النافلة مشروعة لكان الإتمام مشروعًا، حتى يَردَ عليه ما قيل: إن شرع الفرض تامّةً يُفضي إلى الحرج، إذ يلزم حينئذ الإتمام، وأما شرع النفل، فلا يُفضي إلى حرج، لكونها إلى خيرة المصلي انتهى (?).
(صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) جملة مستأنفة استئنافًا بيانيا، وهو ما يقع جوابًا لسؤال مقدّر، فكأنه قال له: لماذا قلت هذا الكلام؟، فأجابه بأنه صحب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَكَان لَا يَزِيدُ فِي السفَرِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ) أي في هذه الصلاة التي صلاها لهم في ذلك الوقت، فلا يُعترض على كلامه بالمغرب، حيث لا تُصلى ركعتين إجماعًا.
قال ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: يحتمل هذا اللفظ -يعني "كان لا يزيد في
السفر على ركعتين"- أن يريد أن لا يزيد في عدد ركعات الفرض، فيكون كنايةً عن نفي الإتمام، والمراد به الإخبار عن المداومة على القصر، ويحتمل أن يريد لا يزيد نفلًا، ويمكن أن يريد ما هو أعمّ من ذلك. انتهى.
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: ويدلّ على هذا الثاني رواية مسلم، ولفظه: صحبت ابن عمر في طريق مكة، فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل، وأقبلنا معه، حتى جاء رحله، وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة، فرأى ناسًا قيامًا، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحًا لأتممت"، فذكر المرفوع انتهى (?).
قال النووي -رحمه اللَّه-: أجابوا عن قول ابن عمر هذا بأن الفريضة محتّمة، فلو شُرعت تامة لتحتَّم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلي، فطريق الرفق به أن تكون