ثبت ذلك، فليس فيه أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - اطلع على ذلك، وقرّرهم عليه، وقد نادت أقواله، وأفعاله بخلاف ذلك، وقد تقرّر أن إجماع الصحابة في عصره - صلى اللَّه عليه وسلم - ليس بحجة، والخلاف بينهم في ذلك مشهور بعد موته، وقد أنكر جماعة منهم على عثمان لمّا أتمّ بمنى، وتأولوا له تأويلات.

قال ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: أحسنها (?) أنه كان قد تأهل بمنى، والمسافر إذا أقام في موضع، وتزوج فيه، أو كان له به زوجة أتمّ، وقد روى أحمد عن عثمان أنه قال: أيها الناس لما قدمت منى تأهلت بها، وإني سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "إذا تأهل رجل ببلد، فليصلّ به صلاة مقيم"، ورواه أيضًا عبد اللَّه بن الزبير الحميديّ في "مسنده"، وقد أعله البيهقي بانقطاعه، وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم، وسيأتي الكلام عليه.

الحجة الرابعة: حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -: "كان يقصر في السفر، ويتمّ"، وقد تقدم أنه لا يصحّ (?).

وهذا النزاع في وجوب القصر وعدمه، وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بالوجوب.

وأما دعوى أن الإتمام أفضل، فمدفوعة بملازمته - صلى اللَّه عليه وسلم - للقصر في جميع أسفاره، وعدم صدور الإتمام عنه، كما تقدم، ويبعد أن يلازم - صلى اللَّه عليه وسلم - طول عمره المفضول، ويدع الفاضل انتهى كلام الشوكاني -رحمه اللَّه تعالى- (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن الأرجح قول من قال بجواز الإتمام مع أفضلية القصر, لأن الأدلة التي ذكرها القائلون بعدم جواز الإتمام ليست صريحة قطعية في الدلالة عليه، حيث إنها تقبل التأويل، كما تقدم في كلام النووي -رحمه اللَّه تعالى-، وإنما حملني على ترجيح هذا القول بعد طول التوقف فيه اتفاق الصحابة الذين حجوا مع عثمان - رضي اللَّه تعالى عنهم - على صحة صلاة عثمان، ومن صلى معه، حتى إن الذين أنكروا عليه الإتمام لمخالفته السنة صلوا معه، واعتدوا بتلك الصلاة، كابن مسعود، وابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهم -، فلو كانت صلاة عثمان ومن معه باطلة لم يصلوا معه، وأما إنكارهم فلمخالفته ما كان عليه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - من ملازمة القصر، لا لعدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015