وقال العلامة الشوكاني -رحمه اللَّه تعالى- بعد ذكر الاختلاف: واحتجّ القائلون بوجوب القصر بحجج:

الأولى: ملازمة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - للقصر في جميع أسفاره، كما في حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنه - الآتي 5/ 1458 - ولم يثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه أتمّ الرباعية في السفر البتة، كما قال ابن القيم. وأما حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "كان يقصر في السفر، ويُتمّ"، فلم يصح. ويُجاب عن هذه الحجة بأن مجرد الملازمة لا يدلّ على الوجوب، كما ذهب إلى ذلك جمهور أئمة الأصول وغيرهم.

والحجة الثانية: حديث عائشة - رضي الله عنها - المتفق عليه بألفاظ:

منها: "فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر"، وهو دليل ناهض على الوجوب, لأن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها، كما أنه لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر.

وقد أجيب عن هذه الحجة بأجوبة:

منها: أن الحديث من قول عائشة غير مرفوع، وأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة، وأنه لو كان ثابتاً لنُقل تواترًا. وقد تقدم عن هذه الأجوبة في أوائل كتاب الصلاة 3/ 455.

ومنها: أن المراد بقولها: "فرضت" أي قدّرت، وهو خلاف الظاهر.

ومنها: ما قاله النووي: إن المراد بـ"فرضت" أي لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار عليهما، وهو تأويل متعسّف لا يُعوّل على مثله.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: بل ما قاله النووي -رحمه اللَّه تعالى- تأويل صحيح، لا تعسف فيه، كما يأتي بيانه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.

ومنها: المعارضة لحديث عائشة بأدلتهم التي تمسكوا بها في عدم وجوب القصر، وستأتي، ويأتي الجواب عنها.

والحجة الثالثة: ما في "صحيح مسلم" عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، أنه قال: "إن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ- فرض الصلاة على لسان نبيكم - صلى اللَّه عليه وسلم - على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعًا، والخوف ركعة"، فهذا الصحابي الجليل قد حكى عن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أنه فرض صلاة السفر ركعتين، وهو أتقى للَّه، وأخشى من أن يحكي أن اللَّه فرض ذلك بلا برهان.

والحجة الرابعة: حديث عمر - رضي اللَّه عنه - عند النسائي-37/ 1420 - وغيره: "صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان،، تمام غير قصر على لسان محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015