الطرطوشيّ. وحكى العلائيّ أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره، ويحكيه عن نص الشافعي.

وأجابوا عن كونه ليس في أحد "الصحيحين" بأن الترجيح بما في "الصحيحين"، أو أحدهما إنما هو من حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ، كحديث أبي موسى هذا، فإنه أعلّ بالانقطاع والاضطراب:

أما الانقطاع، فلأن مخرمة بن بُكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد، عن حماد بن خالد، عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم، عن موسى بن سلمة، عن مخرمة، وزاد: إنما هي كتب كانت عندنا. وقال علي بن المدينيّ: لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول عن مخرمة: إنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي, ولا يُقال: مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة، وهو كذلك هنا, لأنا نقول: وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع.

وأما الاضطراب، فقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قُرّة، وغيرهم عن أبي بُردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة، وأبو بردة كوفيّ، فهم أعلم بحديثه من بُكير المدنيّ، وهم عدد، وهو واحد، وأيضاً فلو كان عند أبي بُردة مرفوعاً لم يُفت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب.

وسلك صاحب "الهدي" مسلكاً آخر، فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يُعارض الآخر، لاحتمال أن يكون -صلى الله عليه وسلم- دلّ على أحدهما في وقت، وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البرّ: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى نحو ذلك الإِمام أحمد، وهو أولى في طريق الجمع.

وقال ابن المنير في الحاشية: إذا عُلم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة، ولليلة القدر بَعْث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بُيِّن لاتكل الناس على ذلك، وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخص مما ذكر أن الأصح هو ما عليه أكثر الأئمة، وهو ترجيح قول عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه أنها بعد العصر؛ لقوته، هذا من حيث الترجيح.

وأما من حيث المعنى، فعدم التحديد بهذا -كما قال ابن المنيّر- أولى، لمخالفته لحكمة إخفاء الله تعالى لها، حتى يجتهد عبادُه في التضرع إليه كثيراً، فينبغي أن يجتهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015