بعضها "بأيد"، ومعناه بقوّة، كما حكاه القاضي عن بعض رواة مسلم، والأولُ هو الذي ذكره في "النهاية"، فقال: وجاء في بعض الروايات "بايد أنهم"، ولم أره في اللغة بهذا المعنى، ثم قال: وقال بعضهم: إنها "بأيد" أي بقوّة. ورواه البيهقي في "سننه" من غير وجه عن ابن عُيينة، عن أبي الزناد "بايد"، وهو مضبوط في الأصل بفتح آخره، والشافعي لما رواه كذلك من طريق أبي الزناد رواه عن ابن عُيينة، عنه انتهى كلام ولي الدين رحمه الله تعالى (?).
(أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا) أي أعطوه. واللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل، والضمير في قوله: "وأوتيناه" للقرآن. وقال القرطبي: المراد بـ"الكتاب" التوراة. وفيه نظر، لقوله:"وأوتيناه من بعدهم"، فأعاد الضمير على الكتاب، فلو كان المراد التوراة لما صحّ الإخبار؛ لأنا إنما أوتينا القرآن. قاله في "الفتح".
(وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي الكتاب، والمراد القرآن (وَهَذَا الْيَوْمُ) المراد باليوم يوم الجمعة، وأُشير إليه بـ"هذا" لكونه ذُكر في أول الكلام، كما هو في الرواية التالية عن أبي هريرة، وحذيفة -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "أضلّ الله عزّ وجلّ عن الجمعة من كان قبلنا ... " الحديث.
(الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ) لابدّ من تقدير مضاف؛ لأنه لا يصحّ وصف اليوم بأنه كُتب عليهم، فيقدّر: إما افتراضَ تعظيمه، وإما افتراضَ عبادة فيه، إما هذه العبادة المخصوصة المشروعة، وإما غيرها. أفاده ولي الدين.
وفي قوله: "كتب" دليل لوجوب الجمعة، فإن "كَتَب" معناه أوجب، وكذا استدلّ البخاري رحمه الله في "صحيحه" على فرض الجمعة، مع أن لفظه "فُرض عليهم".
فإن قلت: إن أريد صلاة الجمعة على الوجه المخصوص، فكيف صحّ الاستدل له بهذا الحديث، وليس فيه تعيين شيء؟.
أجيب: بأنه لما ذكر في الحديث أن المكتوب علينا هُدينا له، والذي عرفنا من شرعنا هدايتنا له هو الصلاة على الوجه المخصوص، مع ما لذلك من سوابق ولواحق دلّ ذلك على أن هذا هو المكتوب عليهم. والله تعالى أعلم. أفاده ولي الدين رحمه الله تعالى (?).
(فَاخْتَلَفُوا فيه) أي اختلف أهل الكتاب في شأن ذلك اليوم المكتوب عليهم، هل يلزم تعيينه، أم يجوز استبداله بغيره؟.