بهم، فأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس يومئذ بأمير، ولكنه انطلق يُعلّم أهل المدينة.
وذكر عبد الرزّاق، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: مَن أوّلُ من جَمَّع؟
قال: رجل من بني عبد الدار، زعموا، قلت: أفبأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فمَهْ؟!.
وأخرجه الأثرم من رواية ابن عُيينة، عن ابن جُريج، وعنده: قال: نعم، فمَنْ؟ قال ابن عُيينة: سمعت من يقول: هو مصعب بن عُمير.
ولذلك نص الإِمام أحمد في رواية أبي طالب على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أَمَرَ مصعبَ بن عمير أن يجمّع بهم بالمدينة، ونص أحمد أيضًا على أن أوّل جمعة جُمعت في الإسلام هي الجمعة التي جُمعت بالمدينة مع مصعب بن عمير. وقد تقدّم مثله عن عطاء، والأوزاعيّ.
فتبيّن بهذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإقامة الجمعة بالمدينة، ولم يُقمها بمكة، وهذا يدلّ على أنه كان قد فُرضت عليه الجمعة بمكة.
وممن قال: إن الجمعة فُرضت بمكة قبل الهجرة أبو حامد الإسفرايينيّ من الشافعية، والقاضي أبو يعلى في "خلافه الكبير"، وابن عَقيل في "عُمدة الأدلة" وهما من الحنابلة، وكذلك ذكره طائفة من المالكية، منهم السُّهَيليّ، وغيره.
وأما كونه لم يفعله بمكة، فيُحمَل على أنه إنما أُمِرَ بها أن يُقيمها في دار الهجرة، لا في دار الحرب، وكانت مكة إذ ذاك دار حرب. ولم يكن المسلمون يتمكنون فيها من إظهار دينهم، وكانوا خائفين على أنفسهم، ولذلك هاجروا منها إلى المدينة.
وقد رُوي عن ابن سيرين أنّ تجميع الأنصار بالمدينة إنما كان عن رأيهم من غير أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالكلّيّة، وأن ذلك كان قبل فرض الجمعة.
قال عبد الله بن أحمد في "مسائله": نا أبي، نا إسماعيل -هو ابن عُليّة- نا أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: نُبّئت أن الأنصار قبل قُدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم المدينة قالوا: لو نظرنا يوماً، فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله علينا به، فقالوا: يوم السبت، ثم قالوا: لا نُجامع اليهود في يومهم، قالوا: يوم الأحد، قالوا: لا نجامع النصارى في يومهم، قالوا: فيوم العَرُوبة -قال: وكانوا يُسَمُّون يوم الجمعة يوم العَرُوبة- فاجتمعوا في بيت أبي أُمامة أسعد بن زُرَارة، فذُبحت لهم شاة، فكَفَتهم.
وروى عبد الرزّاق في "مُصَنفه" عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: جمع أهلُ المدينة قبل أن يقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقبل أن تنزل الجمعة، وهم الذين سمَّوها الجمعة، فقالت الأنصار: لليهود يومُ يجتمعون فيه كل ستة أيام، وللنصارى أيضًا مثل ذلك، فهلُمّ، فلنجعلْ يوماً نجمتع فيه، ونذكر الله عز وجلّ، ونصلي، ونشكره، أو