وإليه المرحع والمآب.
المسألة الثالثة: في اختلاف أهل العلم متى شُرعت الجمعة؟:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الجمعة إنما فرضت بالمدينة.
واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} والآية، لأن هذه السورة مدنية، وأنه لم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة بمكة قبل الهجرة.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ونصّ الإمام أحمد رحمه الله على أن أول جمعة جُمعت في الإِسلام هي التي جُمعت بالمدينة مع مصعب بن عمير -رضي الله عنه-، وكذا قال عطاء، والأوزاعيّ، وغيرهما.
وزعمت طائفة من الفقهاء أن الجمعة فُرضت بمكة قبل الهجرة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُصليها بمكة قبل أن يُهاجر.
واستدلّوا لذلك بما أخرجه النسائيّ في "الكبرى" -3/ 1655 - وسيأتي أيضًا هنا ملحقًا برقم -1368 - من حديث مُعافَى بن عمران، بن إبراهيم بن طهمان، عن محمد ابن زياد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: "إن أول جمعة جُمعت بعد جمعة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة بجُواثا بالبحرين، قرية لعبد القيس".
وقد أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من طريق أبي عامر العَقَديّ، عن إبراهيم بن طهمن، عن أبي جمرة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إن أوّل جمعة جُمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجد عبد القيس بجُوَاثَى من البحرين".
وكذا رواه وكيع، عن إبراهيم بن طهمان، ولفظه: "إن أوّل جمعة جُمعت في الإِسلام بعد جمعة جُمعت في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة لَجُمعة جُمعت بجُوَاثا، قرية من قُرى البحرين". أخرجه أبو داود.
وكذلك رواه ابن المبارك، وغيره، عن إبراهيم بن طهمان.
فتبيّن بذلك أن المعافى وَهِم في إسناد الحديث ومتنه، والصواب رواية الجماعة عن إبراهيم بن طهمان.
ومعنى الحديث أن أول مسجد جُمَع فيه بعد مسجد المدينة مسجد جُوَاثا، وليس معناه أن الجمعة التي جُمعت بجواثا كانمت في الجمعة الثانية من الجمعة التي جُمعت بالمدينة، كما قد يُفهم من بعض ألفاظ الروايات، فإن عبد القيس إنما وفَدُوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح، كما ذكره ابن سعد، عن عروة بن الزبير، وغيره، وليس المراد به -أيضًا- أن أوّل جمعة جُمعت في الإِسلام في مسجد المدينة، فإن أوّل جمعة جُمعت بالمدينة في