خرج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ليخبرنا بليلة القدر, فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة". وقوله: "تلاحى": أي تخاصم.
(فَالْتَمِسُوهَا) أي اطلبوها، واجتهدوا في إحيائها بالعمل الصالح (فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي كُلِّ وِتْرٍ) أي من لياليه، وهي الليلة الحادية والعشرون، والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون، والسابعة والعشرون، والتاسعة والعشرون (وَقَدْ رَأَيْتُنِي) أي رأيت نفسي في المنام (أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ) أي عليهما، وذلك علامةٌ على أن تلك الليلة كانت ليلة القدر فى تلك السنة.
(قَال أَبُو سَعِيدٍ: مُطِرْنَا) بالبناء للمفعول، يقال: مَطَرَت السماء تَمْطُرُ مَطَراً، من باب طلب، فهي ماطرة، في الرحمة. وأمطرت بالألف أيضاً لغة, قال الأزهريّ: يقال: نَبَتَ البَقْلُ، وأنبت، كما يقال: مَطَرت السماءُ وأمطرت, وأمطرت بالألف لا غير في العذاب انتهى (?).
(لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ) أي قطر الماءُ من سقفه. يقال: وَكَفَ البيتُ بالمطر، والعينُ بالدمع وَكْفًا، من باب وَعَدَ، وَوكُوفاً، وَوَكِيفاً: سال قليلاً قَليلاً. قاله الفيّوميّ (فِي مُصَلَّى رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أي في موضع صلاته (فَنَظَرْتُ إِلّيْهِ, وَقَدِ انْصَرف مِن صَلَاةِ الصُّبْحِ) جملة حالية من الضمير المجرور (وَوَجْهُهُ مُبْتَلٌّ طِينًا وَمَاءً) وفي نسخة: "من طين وماء"، وعلى النسخة الأولى فنصب "طينًا، وماءً" على نزع الخافض، والجملة حال أيضاً، إما مترادفة، أو متداخلة. وفي رواية البخاري "ممتلىء طيناً وماء".
يعني أنه رأى النبى -صلى الله عليه وسلم- حينما انصرف من صلاة الصبح قد أبتلّ وجهه بالطين والماء، تصديقاً لما ذكره النبي الله عليه وسلم من علامة ليلة القدر في تلك السنة بقوله: "وقد رأيتني أسجُدُ في ماء وطين".
ولا شك أنه لم ينظر إلى وجهه إلا بعد انصرافه من الصلاة، فدلّ على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يمسح أثر الطين من وجهه بعد السلام من الصلاة.
وهذا محل الترجمة، حيث إنه يدلّ على عدم مسح الجبهة بعد الصلاة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: