على صحة ذلك تكاثر النصوص الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الوضوء يكفر الذنوب والخطايا، وأن من توضأ كما أُمر كان كفارة لذنوبه، وهذا يدل على أن الوضوء المأمور به في القرآن عبادة مستقلة بنفسها، حيث رتب عليه تكفير الذنوب، والوضوء الخالي من النية لا يكفر شيئا من الذنوب بالاتفاق، فلا يكون مأمورا به، ولا تصح به الصلاة، ولهذا لم يرد في شيء من بقية شرائط الصلاة كإزالة النجاسة وستر العورة، ما ورد في الوضوء من الثواب ولو شرك بين نية الوضوء، وبين قصد التبرد، أو إزالة النجاسة، أو الوسخ، أجزأه في المنصوص عن الشافعي، وهذا قول أكثر أصحاب أحمد؛ لأن هذا القصد ليس بمحرم ولا مكروه، ولهذا لو قصد مع رفع الحدث تعليم الوضوء لم يضره ذلك، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقصد أحيانا بالصلاة تعليمها للناس، وكذلك الحج كما قال:
"خذوا عني مناسككم".
قال رحمه الله: ومما تدخل فيه النية من أبواب العلم: مسائل الأيمان، فلغو اليمين لا كفارة فيه، وهو ما جرى على اللسان من غير قصد بالقلب البتة، كقوله: لا والله، وبلى والله، في أثناء الكلام قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: آية 89]، وكذلك يُرجع في الأيمان إلى نية الحالف، وما قصد بيمينه، فإن حلف بطلاق، أو عتاق، ثم ادعى أنه نوى ما يخالف ظاهر لفظه، فإنه يُدَيَّن فيما بينه وبين الله عز وجل، وهل يقبل منه في ظاهر الحكم، فيه قولان للعلماء مشهوران، وهما روايتان عن أحمد، وقد روي عن عمر أنه رفع إليه رجل قالت له امرأته: شَبِّهْني، قال: كأنك ظَبْيَة، كأنك حَمَامة، فقالت: لا أرضى حتى تقول: أنت خَليَّة طالق، فقال ذلك، فقال عمر: خذ بيدها فهي امرأتك، خَرَّجه أبو عبيد، وقال: أراد الناقة تكون معقولة، ثم تطلق من عقالها، ويُحَلّ عنها، فهي خَليَّة من العقال،