وهو المستفاد من "إنما"، ومن الجمع، فمتعقب بأنه من باب إيهام العكس؛ لأن قائله لا رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر. وقال ابن دقيق العيد: استدل على إفادة "إنما" للحصر بأن ابن عباس استدل على أن الربا لا يكون إلا في النسيئة بحديث "إنما الربا في النسيئة" وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم، ولم يخالفوه في فهمه، فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر: وتعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة بذلك تنزلا، وأما من قال: يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله "لا ربا إلا في النسيئة" لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور، فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر، بل يقويه ويشعر بأن مفاد الصيغتين عندهم واحد، وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه.

وأوضح من هذا حديث "إنما الماء من الماء" فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه، وإنما عارضم في الحكم من أدلة أخرى كحديث "إذا التقى الختانان".

قال ابن عطية: "إنما" لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد، حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه، فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى قرينة، وكلام غيره على العكس من ذلك، وأن الأصل ورودها للحصر. لكن قد يكون في شيء مخصوص، كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: آية 171]، فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية، وإلا فلله سبحانه وتعالى صفات أخرى كالعلم والقدرة.، وكقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: آية 7] فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة، وإلا فله - صلى الله عليه وسلم - صفات أخرى كالبشارة إلى غير ذلك من الأمثلة، وهي فيما يقال: السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقا. اهـ فتح جـ 1/ ص 19.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015